الحمد لله.
أولا :
هذا الحديث المذكور في السؤال حديث موضوع لا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وبيان ذلك :
قال أبو العرب محمد بن أحمد التميمي رحمه الله في كتاب " طبقات علماء إفريقية " (ص/9-10) :
قَرَأْتُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَلْشُونِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّ هَذِهِ الْبُقْعَةَ الْمَلْعُونَةَ، الَّتِي يُقَالُ لَهُا: تَهُودَهْ، كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ سُكْنَاهَا، وَقَالَ: ( سَوْفَ يُقْتَلُ بِهَا رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثَوَابُهُمْ ثَوَابُ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَهْلِ أُحُدٍ، وَاللَّهِ مَا بَدَّلُوا حَتَّى مَاتُوا، وَاشَوْقَاهُ إِلَيْهِمْ ) .
وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ : سَأَلْتُ التَّابِعِينَ عَنْ هَذِهِ الْعِصَابَةِ ، فَقَالُوا : ذَلِكَ عُقْبَةُ وَأَصْحَابُهُ ، قَتَلَهُمُ الْبَرْبَرُ ، وَالنَّصَارَى بِتَهُودَهْ ، فَمِنْهَا يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَسْيَافُهُمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ ، حَتَّى يَقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
وهذا خبر موضوع ، وفيه علل :
- إسحاق وأبوه ضعيفان في الحديث . قَالَ أَبُو الْعَرَبِ في ترجمتهما : حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ
سُلَيْمَانَ ، وَحَدِيثُهُ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ ، مَا يَحْتَاجُ إِلَى
مَعْرِفَةِ حَالِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ رِوَايَتِهِ .
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ : وَحَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ تَمِيمٍ، رَحِمَهُ
اللَّهُ، قَالَ: كَانَ أُمَرَاءُ بَنِي الأَغْلَبِ يُرْسِلُونَ إِلَى إِسْحَاقَ ،
فَيَكُونُ عِنْدَهُمْ مِنْ رَمَضَانَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِتِلْكَ الْعَجَائِبِ ،
حَتَّى يَقْطَعَ بِهِمْ طُولَ النَّهَارِ.
" طبقات علماء إفريقية " (ص/98)
- مقاتل ، هو ابن سليمان ، كذبه وكيع والنسائي ، وقال الجوزجاني : كان دجالا جسورا
، وقال ابن حبان : كان يشبه الرب بالمخلوقات ، وكان يكذب في الحديث .
" ميزان الاعتدال " (4/ 174-175) .
- وهب بن منبه ، وشهر بن حوشب - على ضعف فيه - تابعيان ، فالحديث - على شدة ضعف
إسناده - مرسل .
فالحديث موضوع لا يصح الاستدلال به ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا حرج في سكنى هذه البقعة ، ولا يجوز النهي عن سكناها ، كما لا يجوز لعنها .
ثانيا :
لا نعلم في السنة الصحيحة شيئا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن أرضا أو
بلدا بعينها ، ونهى عن سكناها ، وغاية ما صح في ذلك ما رواه البخاري (4419) ، ومسلم
(2980) عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحِجْرِ قَالَ : ( لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا
بَاكِينَ ) ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الوَادِيَ
.
وروى الذهبي في " السير " (6/ 657) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ : مَرَّ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ بِوَادِي ثَمُوْدَ فَقَالَ : (
أَسْرِعُوا السَّيْرَ فَإِنَّ هَذَا واد ملعون ) ، قال الذهبي : " هذا مرسل جيد " .
وله شاهد يرويه البزار (3971) من طريق عَلِيّ بْن زَيْدٍ ، عن عَبْد اللَّهِ بْن
قُدَامَةَ بْنِ صَخْرٍ عن أبي ذر مرفوعا بنحوه .
وعبد الله بن قدامة : قال في " التهذيب " (5/360) : " لم أجد لعبد الله بن قدامة
هذا ذكرا إلا في هذا الحديث " .
وعلي بن زيد ، هو ابن جدعان ، وهو ضعيف ، له مناكير ، انظر " التهذيب " (7/323)
والأول أصح .
وأما ما رواه أبو داود (490) عن أبي صالح الغفاري أن عليا رضي الله عنه مر ببابل وهو يسير فجاءه المؤذن يؤذن بصلاة العصر ، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة فلما فرغ قال : ( إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة ، ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة ) فضعيف ، ضعفه الحافظ في " الفتح " (1/530) ، وكذا ضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود "
فأماكن القوم المعذبين لا
يسكن فيها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدخول عليهم ، ولما مر بهم قنع
رأسه وأسرع السير حتى أجاز واديهم .
فأي بقعة من الأرض نعلم - يقينا - أنها مقبرة القوم المكذبين : فهذه لا تسكن ، ولا
يدخل على أهلها إلا أن نكون باكين ، خشية أن يصيبنا ما أصابهم من العذاب .
وانظر لمزيد الفائدة إلى جواب السؤال رقم : (112160)
.
والله أعلم .
تعليق