الحمد لله.
اعتماد البصمة الوراثية في تحديد النسب للقبيلة يمكن أن يكون مشروعًا ، ويمكن أن يكون ممنوعا ، وذلك حسب التفصيل الآتي :
أولا :
إذا ثبت النسب للقبيلة بالطرق الشرعية المعتمدة ، فلا ينظر إلى نتائج " البصمة الوراثية " ولو خالفت الطرق المشروعة ؛ فالنسب في الشريعة الإسلامية له وسائل إثبات معتبرة ، وليس النظر مقصورا فيها على واقع الأمر فقط ، حتى يقال إن البصمة الوراثية تقطع كل شك ، ولذلك فإن الولد من الزنى لا ينسب إلى الزاني شرعًا عند جماهير العلماء مع أن البصمة الوراثية وغيرها تقطع ببنوته للزاني ، مما يدل على أن وسائل إثبات النسب في الشريعة الإسلامية لم تكتف بالنظر إلى واقع الأمر ، وأن هذا الولد قد تَكَوَّن من ماء هذا الرجل ، ولذلك فالبصمة الوراثية لا يجوز أن تهدم الطرق المشروعة في الانتساب إلى القبيلة .
فمن اشتهر بالانتساب إلى أصل معين ، أو قبيلة معروفة ، فلا يجوز الطعن في انتسابه ولو أظهرت نتائج الفحص الوراثي خلاف ذلك .
كما أن مَن ملك البينة على ارتباطه بعشيرة معينة لا يجوز أن ينفى نسبه عنها تبعا لنتيجة البصمة الوراثية ، فالشرع يتساهل في إثبات النسب ويتشدد في نفيه ، حتى لا يفتح الباب أمام الاتهامات والطعن في الأنساب الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من أمر الجاهلية .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" النسب يحتاط لإثباته ، ويثبت بأدنى دليل ، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه ". انتهى من " المغني " (6/127).
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
" حيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب ، فإنما ذاك إذا لم يقاومه سبب أقوى منه ، ولهذا لا يعتبر مع الفراش ، بل يحكم بالولد للفراش.... فالشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها ؛ ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب : من شهادة المرأة الواحدة على الولادة ، والدعوى المجردة مع الإمكان [ يعني : الدعوى المجردة عن الدليل والبينة مع إمكان أن يكون هذا الولد للمدعي ، كالنظر إلى سنه وسن المدعي ] ، وظاهر الفراش [ يعني أنه تكون المرأة ذات زوج فيثبت نسب ولدها لزوجها ] ". انتهى باختصار من " الطرق الحكمية " (ص187).
ثانيا :
أما في حالة عدم العلم بنسب شخص معين ، وأثبت العلم بالبصمة الوراثية القدرة على معرفة الأنساب البعيدة ، والأصول القبلية أو العرقية ، فلا حرج من الاستعانة بهذا العلم في هذه الأحوال ، والأخذ بنتائجه ، كما لجأ جمهور الفقهاء إلى " القيافة " وهي إثبات النسب بالشبه .
وقد صدرت قرارات من مجامع فقهية تؤكد على أن الطرق الشرعية لإثبات النسب أو نفيه هي المقدمة على اعتبار البصمة الوراثية ، وأن البصمة الوراثية يمكن اعتمادها في إثبات النسب كما يُعتمد الشَّبه (القيافة) وذلك عند التنازع وعدم وجود دليل أقوى .
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي ، في دورته العشرين عام 2012م ، قرار رقم 194 (9/ 20) بشأن الإثبات بالقرائن والأمارات (المستجدات) ، فكان مما جاء فيه : " لا يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا تقدم على اللعان " انتهى.
وجاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة 2002م ، قرار رقم: 95 (7/16) : بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها ، حيث جاء فيه :
" ثانيًا : إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية ، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية .
ثالثًا : لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ، ولا يجوز تقديمها على اللعان .
رابعًا : لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا ، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة ؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض
الناس وصونًا لأنسابهم .
خامسًا : يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية [وذكر حالات التنازع ونحوها ] " انتهى.
والله أعلم.
تعليق