الحمد لله.
نسأل الله تعالى أن يعافيك من كل بلاء .
أولا :
نوصيك بإصلاح ما بينك وبين الله تعالى ، ففتش في نفسك ، في ذنوبك ، في تقصيرك في حق الله تعالى ، وتب من جميع ذلك وأحسن القيام بعبادة الله تعالى ، والاستقامة على أمره ، فهذا هو الذي خلق الإنسان من أجله ، وهذا هو الذي يصلح أحوال الإنسان في الدنيا والآخرة.
فعليك بالصلاة في الجماعة وقراءة القرآن وكثرة ذكر الله تعالى والصيام والصدقة ... إلخ .
ثانيا :
أكثر من الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ، وأكثر من ذكر الله تعالى ، فلا يزال لسانك رطبا بذكر الله ، فإن الإنسان لا يحفظ نفسه من الشيطان بمثل ذلك ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا ، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ . كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي" .
ثالثا :
وبعد ما سبق من الوصية بالاستعاذة بالله تعالى ، والإكثار من ذكره ؛ فإن علاج الوساوس يحتاج إلى الإعراض عن تلك الوساوس ، وعدم الاسترسال أو الاستجابة لها .
ولذلك لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض تلك الوساوس التي تأتي للإنسان ، فقال : (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) رواه البخاري (3276) ، ومسلم (134) .
وقال ابن حجر الفقيه الشافعي في علاج الوسوسة ، في كتابه " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/149) ، وقد سئل : عن داء الوسوسة هل له دواء ؟
فأجاب : " له دواء نافع ، وهو الإعراض عنها جملة كافية ، وإن كان في النفس من التردد ما كان - فإنه متى لم يلتفت لذلك ، لم يثبت ، بل يذهب بعد زمن قليل ، كما جرب ذلك الموفقون , وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها ، فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين ، بل وأقبح منهم , كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها ، وأصغوا إليها وإلى شيطانها ...
وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته ، وهو أن من ابتلي بالوسوسة (فليستعذ بالله ولينته) . فتأمل هذا الدواء النافع الذي علّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته .
واعلم أن من حُرمه فقد حُرم الخير كله ; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا , واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ، ونكد العيش ، وظلمة النفس ، وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام . وهو لا يشعر ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فاطر / 6 " انتهى .
فعيك أن تعرض عن تلك الوساوس ولا تفكر فيها ، وتمارس حياتك كأي إنسان طبيعي لا يعاني من شيء .
رابعا :
ننصحك بالذهاب إلى الطبيب وأخذ الدواء الذي يصفه لك ، فإن كثيرا من حالات الوسواس تحتاج ، مع العلاج السلوكي الذي نصحناك به آنفا ، إلى العلاج الطبي ـ العقاقير ـ ، والجمع بينهما من شأنه أن يعجل بالشفاء ، إن شاء الله . ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم : من بعض الأعراب : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا نَتَدَاوَى ؟ " ، قَالَ : ( نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ ، تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا )، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُوَ ؟ ، ( قَالَ الْهَرَمُ) . رواه الترمذي (2038) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
خامسا :
عليك أن ترضى بما قدره الله لك ، فلا تقلق من عدم حصولك على عمل إلى الآن ، فإن أرزاق الناس مقسومة ، وسوف يأتيك ما كتب لك ، بلا زيادة أو نقصان . والمطلوب من الإنسان أن يسعى ويعمل ، ويبحث عن عمل ، ثم بعد ذلك ، وقبل ذلك : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وكل شيء عنده بمقدار ؛ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " برقم (2085).
ومعنى الحديث ظاهر : أن
الأرزاق مكتوبة مقسومة ، وكل نفس سوف لن تموت حتى تأخذ رزقها المكتوب لها كاملا ،
بلا أدنى نقص .
وكل ما هو مطلوب من الإنسان ألا يتكاسل عن العمل بحجة أن الأرزاق مقسومة ، بل يعمل
ويجد ، مع الأخذ في سعيه بالتوسط ؛ فلا إفراط ولا تفريط ، لا انهماك في العمل ، ولا
تكاسل عنه وتقصير فيه ؛ وإلى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وسلم : (فاتقوا الله
وأجملوا في الطلب) ؛ وخير الأمور أوساطها كما يقال .
سادسا :
ينبغي أن تتذكر دائما قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (عَجَبًا لِأَمْرِ
الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا
لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ
أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
فالمؤمن يتقلب دائما في الخير ، وهو بين نعمة أو نقمة ، فالخير في النعمة أن يشكر
الله عليها ، والخير في النقمة أن يصبر عليها .
فاستحضر هذا الحديث دائما وكن بين الشكر والصبر ، وإياك والجزع والتسخط على أقدار
الله : (إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ
الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ رواه الترمذي (2396) . وحسنه الألباني
في " السلسة الصحيحة " (146) .
وفقك الله لك خير ، ويسر لك أمرك .
والله أعلم .
تعليق