الحمد لله.
اتفق الفقهاء على أنَّ أذان الطفل غير المميِّز ( غير العاقل ) لا يَصِحُّ ولا يجزئ ؛ لأنَّه لا يُدْرِك ما يفعله ، ومن شروط صِحَّة الأذان : الإسلام والعقل والذُّكورة .
قال في " بدائع الصنائع" (1/ 150) : " وَأَمَّا أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا يُجْزِئُ ، وَيُعَادُ ؛ لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ لَا عَنْ عَقْلٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ، كَصَوْتِ الطُّيُورِ" انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" ولا نعلم فيه خلافًا " انتهى من " المغني " (1/300) .
وانظر : " الموسوعة الكويتية " (27/ 26 ، 2/ 367) .
ثم اختلفوا في صِحَّة أذان
الصبي المُمَيِّز ( وهو مَن بلغ سبعًا إلى البلوغ ) ، فأجازَه جمهور العلماء ما دام
يعقل الأذان ، وهو قول عطاء والشعبي وابن أبي ليلى وأبي ثَور ، واختارَه ابن
المنذِر .
واحتجُّوا بما جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ : "
كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ لَهُمْ وَأَنَا غُلَامٌ لَمْ
أَحْتَلِمْ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ، فلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ " .
قال ابن قدامة رحمه الله : "
وَهَذَا مِمَّا يَظْهَرُ وَلَا يَخْفَى ، وَلَمْ يُنْكَرْ ؛ فَيَكُونُ إجْمَاعًا .
وَلِأَنَّهُ ذَكَرٌ تَصِحُّ صَلَاتُهُ ، فَاعْتُدَّ بِأَذَانِهِ ، كَالْعَدْلِ
الْبَالِغِ " انتهى من " المغني " (1/300) ، وينظر : " الأوسط " لابن المنذر (3/41)
، و" المجموع " للنووي (3/100) ، و" الشرح الممتع " لابن عثيمين (2/ 72) .
وقال آخرون - وهو مذهب
المالكية - : لَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الصبي ، إلا إذا اعتمدَ على بالغ ؛ لأنَّ
الأذان مشروع للإعلام ، ولا يحصل الإعلام بقول الصبي ؛ لأنَّه ممَّن لا يُقبَل
خبرُه ولا روايته ، ولا يوثَق بقوله ، فقد لا يعرف متى تزول الشَّمس ، ومتى يكون
ظلُّ كلِّ شيء مثله وغير ذلك .
وينظر : المراجع السابقة .
وفصَّل شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله في المسألة ، فقال : " والأشبه أنَّ الأذان الذي يُسْقِط الفرض عن
أهل القرية ، ويُعتمَد في وقت الصلاة والصيام : لا يجوز أن يُباشِرَه صبيّ قولاً
واحدًا ، ولا يُسْقِط الفرض ، ولا يُعتمَد في مواقيت العبادات .
وأما الأذان الذي يكون سُنَّة مؤكدة في مثل المساجد التي في المصر [ يعني : بحيث
يؤذِّن مع الصبيِّ غيرُه ] ، ونحو ذلك ؛ فهذا فيه الروايتان ، والصحيح جوازه "
انتهى من " الاختيارات الفقهية " (ص/37) .
وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين ، قال رحمه الله : " وفَصَّلَ بعض العلماء ، فقال :
إنْ أذَّنَ معه غيرهُ فلا بأس ، وإن لم يكن معه غيرُه فإِنَّه لا يُعتمد عليه ، إلا
إذا كان عنده بالغ عاقل عارف بالوقت ينبِّهه عليه . وهذا هو الصَّواب". انتهى من
"الشرح الممتع" لابن عثيمين (2/ 72) .
والأولى - على كل حال – أن يتولَّى الأذان رجل بالغ ، خروجًا من الخلاف ، ولأنَّه أوثق من الطِّفل المميِّز - بلا شكٍّ - ، وإلا فيعتمِد الصبيُّ على بالغ في الأذان .
جاء في " فتاوى اللجنة
الدائمة - المجموعة الثانية " (5/48) : " الأفضل والمستحب : أن يكون المؤذن بالًغا
؛ لأنه بالأذان يُخْبِر عن دخول مواقيت الصلاة ، ووقت طلوع الفجر وغروب الشمس في
الصيام .
وأما أذان الصبي ، إذا كان مميِّزًا ، وكان يعتمد على بالغ ، أو كان يؤذِّن في مثل
مساجد المدينة ، بحيث يؤذِّن غيرُه ؛ فالصحيح جواز ذلك ، وصِحَّة أذانه " انتهى .
على أنه ينبغي الانتباه إلى أنَّ المسجد إذا كان له مؤذِّن راتب ، لم يحق لأحد أن
ينازعه حقَّه في الأذان ، أو يعتَدِي عليه، فيؤذِّن بدلاً منه ، إلا بإذنه .
والله أعلم .
تعليق