الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

قاعدة الشريعة : تقديم اليمين في كل ما كان من باب الكرامة ، وتقديم الشمال في ضد ذلك

224145

تاريخ النشر : 08-11-2014

المشاهدات : 74778

السؤال


هناك من يقول كيف يكون دخول الخلاء بالرجل اليسرى والخروج بالرجل اليمنى من هدي النبي صلي الله عليه وسلم ولم يكن هناك أي حمامات علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
اتفق الفقهاء على استحباب دخول الخلاء بالرجل اليسرى والخروج بالرجل اليمنى . انظر " المجموع للنووي " (2/72) .
وليس هناك دليل خاص من السنة على هذه المسألة .
غير أن العلماء استدلوا لها بدليلين :
الأول : القاعدة الشرعية التي دلت عليها نصوص كثيرة ، وهي : استحباب تقديم اليمين فيما كان من باب التكريم ، وتقديم اليسار فيما كان من الأذى .
روى أبو داود (32) ، وأحمد (26464) عَنْ حَفْصَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ " ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .

قال النووي رحمه الله في " شرح مسلم " (1/160) :
" هَذِهِ قَاعِدَة مُسْتَمِرَّة فِي الشَّرْع , وَهِيَ أّنَّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم وَالتَّشْرِيف كَلُبْسِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَدُخُول الْمَسْجِد وَالسِّوَاك وَالاكْتِحَال , وَتَقْلِيم الأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب , وَتَرْجِيل الشَّعْر وَهُوَ مَشْطُهُ – يعني : تسريح الشعر - وَنَتْف الإِبِط , وَحَلْق الرَّأْس , وَالسَّلام مِنْ الصَّلاة , وَغَسْل أَعْضَاء الطَّهَارَة , وَالْخُرُوج مِنْ الْخَلاء , وَالأَكْل وَالشُّرْب , وَالْمُصَافَحَة , وَاسْتِلام الْحَجَر الأَسْوَد , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُسْتَحَبّ التَّيَامُن فِيهِ . وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلاء وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد وَالامْتِخَاط وَالاسْتِنْجَاء وَخَلْعِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَيُسْتَحَبّ التَّيَاسُر فِيهِ , وَذَلِكَ كُلّه بِكَرَامَةِ الْيَمِين وَشَرَفهَا " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَقَدْ اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي تَشْتَرِكُ فِيهَا الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى : تُقَدَّمُ فِيهَا الْيُمْنَى إذَا كَانَتْ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ ؛ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالِابْتِدَاءِ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي السِّوَاكِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَكَاللِّبَاسِ وَالِانْتِعَالِ وَالتَّرَجُّلِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخَلَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَتُقَدَّمُ الْيُسْرَى فِي ضِدِّ ذَلِكَ كَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَخَلْعِ النَّعْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا : إنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ كَانَ بِالْيَمِينِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُصَافَحَةِ ؛ وَمُنَاوَلَةِ الْكُتُبِ وَتَنَاوُلِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ ضِدَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْيُسْرَى كَالِاسْتِجْمَارِ وَمَسِّ الذَّكَرِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَالِامْتِخَاطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (21/108-109) .

فتقديم الشمال عند دخول الخلاء هو فرع من فروع هذه القاعدة .

قال الشوكاني رحمه الله :
" وأما تقديم اليسرى دخولا واليمنى خروجا [يعني : من الخلاء] فله وجه ؛ لكون التيامن فيما هو شريف ، والتياسر فيما هو غير شريف ، وقد ورد ما يدل عليه في الجملة " انتهى من " السيل الجرار " (ص/43) .

الدليل الثاني : القياس على دخول المسجد والخروج منه ، وهو قياس عكسي ، وهو أحد أنواع القياس .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يستحبُّ أن يُقدِّمَ رجله اليُسرى عند دخول الخلاء ، ويُقدِّمَ اليُمنى إِذا خرج ، وهذه مسألة قياسيَّة ، فاليمنى تُقَدَّم عند دخول المسجد كما جاءت السُّنَّة بذلك ، واليسرى عند الخروج منه ، وهذا عكس المسجد ... فإِذا كانت اليُمنى تُقدَّم في باب التَّكريم ، واليُسرى تُقدَّم في عكسه ، فإنه ينبغي أن تُقدَّم عند دخول الخَلاء اليُسرى ، وعند الخروج اليُمنى ؛ لأنَّه خروج إِلى أكمَل وأفضلَ " انتهى من " الشرح الممتع " (1/108) .

ثانيا :
نعم ، كانت العرب لا تتخذ أماكن لقضاء الحاجة في البيوت ، وإنما كانوا يقضون الحاجة في الفضاء والصحراء ، غير أن هذا الأدب ليس خاصا بدخول البنيان ، بل هو مشروع عند قضاء الحاجة في البنيان أو الفضاء ، ففي البنيان يقدم اليسرى دخولا ، واليمنى خروجا ، وفي الفضاء يقدم اليسرى إلى الموضع الذي سيجلس فيه ، واليمنى بعد قيامه .

قال النووي رحمه الله :
" وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ ... أَصَحُّهُمَا : لَا يَخْتَصُّ ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ، قَالَ : فَيُقَدِّمُ فِي الصَّحْرَاءِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى إذَا بَلَغَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ ، وَإِذَا فرغ قدم اليمنى في انصرافه " انتهى من " المجموع " (2/77) .

فهذا الأدب سنة عند إرادة قضاء الحاجة ، سواء كان في الخلاء أو البنيان . وعليه ، فلا يرد الإشكال الذي ذكره السائل عن بعض الناس .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب