الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

نبي الله إسماعيل أكبر من نبي الله إسحاق عليهما السلام ، باتفاق المسلمين .

224203

تاريخ النشر : 17-01-2015

المشاهدات : 71655

السؤال


كنت قبل أن أبلغ قلت لأحد أصدقائي أن هناك دليل في القرآن على أن نبي الله إسماعيل عليه السلام أكبر من نبي الله إسحاق عليه السلام ، وهو أنه في سورة الصافات بعد ذكر قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام مع نبي الله إسماعيل عليه السلام قول الله تعالى ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) ، فاستدللت بورود هذه الآية في سورة الصافات بعد ذكر قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام مع نبي الله إسماعيل عليه . فما هو حكم قولي هذا ، مع العلم أني قلته بدون دراسة ، وإنما قلته تفكرا من نفسي ؟ وهل يجب علي شيء الآن بخصوص هذا الأمر ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
قال الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام :
( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) الصافات/ 101- 112 .

استدل أهل العلم بسياق هذه القصة في كتاب الله على أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام ، وليس إسحاق ، فإنه لما قص قصة الذبيح وفرغ منها عطف بذكر إسحاق فقال : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) ، فدل ذلك على أن الذبيح غيره ، وهو إسماعيل .
وروى الحاكم في " المستدرك " (4039) عن مُحَمَّد بْن كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قال : " إِنَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ مِنِ ابْنَيْهِ إِسْمَاعِيلُ ، وَإِنَّا لَنَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قِصَّةِ الْخَبَرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ : أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِصَّةِ الْمَذْبُوحِ مِنِ ابْنَيْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) ، ثُمَّ يَقُولُ : ( فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) يَقُولُ : بِابْنٍ وَبِابْنِ ابْنٍ ، فَلَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ بِذَبْحِ إِسْحَاقَ وَلَهُ فِيهِ مِنَ اللَّهِ مَوْعُودٌ بِمَا وَعَدَهُ ، وَمَا الَّذِي أَمَرَ بِذَبْحِهِ إِلَّا إِسْمَاعِيلُ " .

قال ابن كثير رحمه الله :
" ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إِسْحَاقُ ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ ، حَتَّى نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَيْضًا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ، وَمَا أَظُنُّ ذَلِكَ تُلقى إِلَّا عَنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأُخِذَ ذَلِكَ مُسَلَّمًا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ .
وَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ شَاهِدٌ وَمُرْشِدٌ إِلَى أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْبِشَارَةَ بِالْغُلَامِ الْحَلِيمِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الذَّبِيحُ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) .
وَلَمَّا بَشَّرَتِ الْمَلَائِكَةُ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْحَاقَ قَالُوا : ( إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) . وَقَالَ تَعَالَى: ( فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) ، أَيْ : يُولَدُ لَهُ فِي حَيَاتِهِمَا وَلَدٌ يُسَمَّى يَعْقُوبُ ، فَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عَقِبٌ وَنَسْلٌ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُؤْمَرَ بِذَبْحِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَهُمَا بِأَنَّهُ سَيُعْقَبُ ، وَيَكُونُ لَهُ نَسَلٌ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ بُعْدَ هَذَا أَنْ يُؤْمَرَ بِذَبْحِهِ صَغِيرًا ؟ " انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/27) .
وينظر : " تفسير القرطبي " (15/113) ، " مجموع الفتاوى " (4/332-333) ، " زاد المعاد " (1/72) ، " أضواء البيان " (6/317) .

فإذا ثبت هذا ثبت أن إسماعيل أكبر من إسحاق عليهما السلام ، لأن الله تعالى قال في مطلع قصة الذبح : ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) ثم حكى القصة ، ثم قال : ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) .
فبشره أولا بغلام حليم ، ودل السياق على أنه إسماعيل عليه السلام ، كما سبق ، وحكى قصته ، ثم بشره ثانيا بإسحاق فقال : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) .

قال ابن كثير رحمه الله :
" ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) وَهَذَا الْغُلَامُ هُوَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُ أولُ وَلَدٍ بُشِّرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ إِسْحَاقَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ " انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/27) .
وينظر : " تفسير القرطبي " (2/138) ، " تفسير الخازن " (1/84) ، " المنتظم " لابن الجوزي (1/304) .

ثانيا :
لا يجوز الكلام في كتاب الله بغير علم ، ومن قال في كتاب الله بغير علم ، فأصاب : فقد أخطأ ، قال ابن كثير رحمه الله :
" لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ ، فَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ ، كَمَنْ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، لَكِنْ يَكُونُ أَخَفَّ جُرْمًا مِمَّنْ أَخْطَأَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهَكَذَا سَمَّى اللَّهُ القَذَفة كَاذِبِينَ ، فَقَالَ : ( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) النُّورِ/ 13 ، فَالْقَاذِفُ كَاذِبٌ ، وَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَ مَنْ زَنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ أَخْبَرَ بِمَا يَعْلَمُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ " انتهى من " تفسير ابن كثير " (1/11) .

ثالثا :
قلم التكليف مرفوع عن الصبي غير البالغ حتى يحتلم ؛ لما روى أبو داود (4403) والترمذي (1423) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (8/196) :
" ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ فِي الإْنْسَانِ هُوَ الْبُلُوغُ وَلَيْسَ التَّمْيِيزَ ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلاَ يُعَاقَبُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا ، أَوْ بِفِعْل شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الآْخِرَةِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ) " انتهى .

فإذا قدر أن القول بأن إسماعيل أكبر من إسحاق عليهما السلام ، ليس أمرا معلوما بنفسه من سياق الكلام العربي المبين ، وأنه ليس من العلوم المشهورة بين الناس ، وإذا قدر – أيضا – أنه لم يكن لك وأنت في هذه السن أن تستنبط مثل ذلك ؛ فلا حرج عليك الآن بعد ما عرفت الصواب ، وعرفت ما يلزمك من السؤال والتعلم ، والنظر في كتب أهل العلم ؛ فإن ذلك كله كان منك قبل سن التكليف ، فلا حرج عليك منه الآن ، إن شاء الله .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب