الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

من نوى حفظ القرآن وشرع فيه ثم توفي ، هل يكتب له أجر الحفظ كاملا؟

226751

تاريخ النشر : 06-04-2015

المشاهدات : 39831

السؤال


إذا نوى الإنسان حفظ القرآن الكريم ، وبدأ يحفظ كل يوم آية أو آيتين أو خمسة آيات ، مثلاً ، وتوفي الشخص قبل حفظه كاملاً ، لربما نوى ، وحفظ صفحة فقط ومات ؛ هل يكتب له أجر الحفظ كاملاً ، إذ كانت نيته صادقة؟

ملخص الجواب

وخلاصة الجواب : أن من نوى حفظ القرآن الكريم كاملا ، وشرع في ذلك ، وكانت إرادته جازمة ، وتوفي قبل أن يتم حفظه : فإن الذي تدل عليه ظواهر النصوص ، ويُؤّمَّل من كرم الله وفضله : أن يتفضل الله عليه ، و ويعطيه ثواب حفظ القرآن الكريم كاملا . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله.


هناك فرق بين مجرد العزم على العمل الصالح ، وإرادته إرادة جازمة .
فقد يعزم المسلم على عمل صالح ، ثم إذا تمكن منه انهارت عزيمته ولم يفعله ، فهذا العزم يثاب عليه المسلم ، ولكنه أقل من ثواب العامل ، وهذا هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ) رواه البخاري (6491) ومسلم (131) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث :
"فَهَذَا التَّقْسِيمُ هُوَ فِي رَجُلٍ يُمْكِنُهُ الْفِعْلُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (فَعَمِلَهَا) ، (فَلَمْ يَعْمَلْهَا) ؛ وَمَنْ أَمْكَنَهُ الْفِعْلُ ، فَلَمْ يَفْعَلْ : لَمْ تَكُنْ إرَادَتُهُ جَازِمَةٍ؛ فَإِنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ ، مَعَ الْقُدْرَةِ : مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْفِعْلِ ...... وَلَا رَيْبَ أَنَّ " الْهَمَّ " و " الْعَزْمَ " و " الْإِرَادَةَ " وَنَحْوَ ذَلِكَ = قَدْ يَكُونُ جَازِمًا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْفِعْلُ إلَّا لِلْعَجْزِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ هَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْجَزْمِ.
فَهَذَا " الْقِسْمُ الثَّانِي " : يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُرِيدِ ، وَالْفَاعِلِ؛ بَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ إرَادَةٍ وَإِرَادَةٍ ......
فَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا ، كَانَ قَدْ أَتَى بِحَسَنَةٍ ، وَهِيَ الْهَمُّ بِالْحَسَنَةِ ، فَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنَّ ذَلِكَ طَاعَةٌ وَخَيْرٌ ......
فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، لِمَا مَضَى من رَحْمَتهُ : أَنَّ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ، إلَى سَبْعمِائَةِ ضِعْفٍ" انتهى ."مجموع الفتاوى" (10/737) .

فأما الإرادة الصادقة : فهي عزم صادق مؤكد ، لا يتخلف عنها العمل إلا بسبب العجز ، فهذه الإرادة الجازمة : جعل الله ثواب صاحبها كثواب العامل كاملا ، لاسيما إذا ابتدأ العمل وفعل منه ما يقدر عليه ، ثم عجز عن باقيه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
"الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ : إذَا فَعَلَ مَعَهَا الْإِنْسَانُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ : كَانَ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ التَّامِّ ؛ لَهُ ثَوَابُ الْفَاعِلِ التَّامِّ ، وَعِقَابُ الْفَاعِلِ التَّامِّ ، الَّذِي فَعَلَ جَمِيعَ الْفِعْلِ الْمُرَادِ ، حَتَّى يُثَابَ وَيُعَاقَبَ عَلَى مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ قُدْرَتِهِ ، مِثْلَ الْمُشْتَرِكِينَ والمتعاونين عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ ، وَمِنْهَا : مَا يَتَوَلَّدُ عَنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ ، كَالدَّاعِي إلَى هُدًى أَوْ إلَى ضَلَالَةٍ ، وَالسَّانِّ سُنَّةً حَسَنَةً وَسُنَّةً سَيِّئَةً ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) .
فَالدَّاعِي إلَى الْهُدَى وَإِلَى الضَّلَالَةِ : هُوَ طَالِبٌ مُرِيدٌ ، كَامِلُ الطَّلَبِ وَالْإِرَادَةِ لِمَا دَعَا إلَيْهِ؛ لَكِنَّ قُدْرَتَهُ بِالدُّعَاءِ وَالْأَمْرِ ، وَقُدْرَةَ الْفَاعِلِ بِالِاتِّبَاعِ وَالْقَبُولِ .
فـ " الدَّاعِي إلَى الْهُدَى وَالضَّلَالَةِ " لَمَّا كَانَتْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً كَامِلَةً فِي هُدَى الْأَتْبَاعِ وَضَلَالِهِمْ ، وَأَتَى مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ = كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ الْكَامِلِ ، فَلَهُ مِنْ الْجَزَاءِ مِثْلُ جَزَاءِ كُلِّ مَنْ اتَّبَعَهُ: لِلْهَادِي مِثْلَ أُجُورِ الْمُهْتَدِينَ ، وَلِلْمُضِلِّ مِثْلَ أَوْزَارِ الضَّالِّينَ...
وَ" أَيْضًا " : فَالْمُرِيدُ إرَادَةً جَازِمَةً مَعَ فِعْلِ الْمَقْدُورِ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ الْكَامِلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا وَدَاعِيًا ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) ؛ فَاَللَّهُ تَعَالَى نَفَى الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُجَاهِدِ وَالْقَاعِدِ الَّذِي لَيْسَ بِعَاجِزِ؛ وَلَمْ يَنْفِ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُجَاهِدِ وَبَيْنَ الْقَاعِدِ الْعَاجِزِ؛ بَلْ يُقَالُ: دَلِيلُ الْخِطَابِ يَقْتَضِي مُسَاوَاتَهُ إيَّاهُ. وَلَفْظُ الْآيَةِ صَرِيحٌ...
وَيُوَافِقُهُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: (إنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ. قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) ؛ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَاعِدَ بِالْمَدِينَةِ الَّذِي لَمْ يَحْبِسْهُ إلَّا الْعُذْرُ : هُوَ مِثْلُ مَنْ مَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي مَعَهُ فِي الْغَزْوَةِ يُثَابُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوَابَ غَازٍ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ ؛ فَكَذَلِكَ الْقَاعِدُونَ الَّذِينَ لَمْ يَحْبِسْهُمْ إلَّا الْعُذْرُ...
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ : حَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ الأنماري الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد وَابْنُ مَاجَه والترمذي وقال : حسن صحيح ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِي مَالِه رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ عند الله ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فيه بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، وَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ . وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا ، فذلك شَرُّ مَنْزِلَةٍ عِنْدَ الله . ثم قال : وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، وَهُما فِي الوِزْرِ سَوَاءٌ) فَهَذَا التَّسَاوِي مَعَ " الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ " هُوَ فِي حِكَايَةِ حَالِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ، وَكَانَ صَادِقًا فِيهِ ، وَعَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ إرَادَةً جَازِمَةً لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا الْفِعْلُ إلَّا لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ؛ فَلِهَذَا اسْتَوَيَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
وَلَيْسَ هَذِهِ الْحَالُ تَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ قَالَ: " لَوْ أَنَّ لِي مَا لِفُلَانِ لَفَعَلْت مِثْلَ مَا يَفْعَلُ " ، إلَّا إذَا كَانَتْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً ؛ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ عَزْمٍ ، لَوْ اقْتَرَنَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ : لَانْفَسَخَتْ عَزِيمَتُهُ ، كَعَامَّةِ الْخَلْقِ يُعَاهِدُونَ وَيَنْقُضُونَ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَزَمَ عَلَى شَيْءٍ عَزْمًا جَازِمًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، وَعَدِمَ الصوارف عَنْ الْفِعْلِ : تَبْقَى تِلْكَ الْإِرَادَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ للصوارف ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) وَكَمَا قَالَ: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) " انتهى من مجموع الفتاوى (10/722-734) باختصار .
وقد أطال شيخ الإسلام رحمه الله في الكلام على هذه المسالة : (متى يثاب الإنسان أو يعاقب على نيته ؟ وهل يكون ثوابه وعقابه كالفاعل أم لا؟) في المجلد العاشر من مجموع الفتاوى (10/720-769) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه :
الوجه الأول : أن يسعى بأسبابها ، ولكن لم يدركها ، فهذا يكتب له الأجر كاملاً ، لقول الله تعالى: ( وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) النساء ( 100 ) " انتهى من " شرح الأربعين النووية " ( ص 369 ) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب