الحمد لله.
أولا :
لم يخالف الشرع ، ولم يأمر بغير ما تميل النفوس إليه وتهواه من نكاح الأبكار ؛ بل أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه ، إرشاد رعاية وعناية ؛ قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: أَتَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: فَهَلَّا بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ . رواه البخاري (5247) ومسلم (715) .
قال ابن عاشور رحمه الله :
" الْبِكْرُ أَشَدُّ حَيَاءً وَأَكْثَرَ غِرَارَةً وَدَلَّا ، وَفِي ذَلِكَ مَجْلَبَةٌ لِلنَّفْسِ، وَالْبِكْرُ لَا تَعْرِفُ رَجُلًا قَبْلَ زَوْجِهَا ، فَفِي نُفُوسِ الرِّجَالِ خَلْقٌ مِنَ التَّنَافُسِ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهَا غَيْرُهُمْ " انتهى من "التحرير والتنوير" (28/ 362) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" البكر أفضل؛ لأنها لم تطمح إلى رجال سابقين، ولم يتعلق قلبها بأحد قبله، ولأن أول
من يباشرها من الرجال هذا الرجل، فتتعلق به أكثر " انتهى من "الشرح الممتع" (12/
15)
ولكن قد يكون الزواج بالثيب أفضل لاعتبارات أخرى ، قال الشيخ ابن
عثيمين :
" قد يختار الإنسان الثيب لأسباب، مثل ما فعل جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ
فإنه اختار الثيب؛ لأن والده عبد الله بن حرام ـ رضي الله عنه ـ استشهد في أحد،
وخلف بناتاً يحتجن إلى من يقوم عليهن، فلو تزوج بكراً لم تقم بخدمتهن ومؤنتهن،
فاختار ـ رضي الله عنه ـ ثيباً لتقوم على أخواته، ولهذا لما أخبر النبي صلّى الله
عليه وسلّم بذلك أقره النبي ـ عليه الصلاة والسلام ، فإذا اختار الإنسان ثيباً
لأغراض أخرى ، فإنها تكون أفضل، وفي هذا دليل على اعتبار الأمور، وأن التفضيل يرجع
إلى هذه الاعتبارات " انتهى من الشرح الممتع" (12/ 16).
انظر جواب السؤال رقم : (186499) .
ثالثا :
نساء أهل الجنة حور أبكار ، ليس فيهن ثيب ، قال تعالى : (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا) الواقعة/ 35 - 37.
وذلك لأن أهل الجنة في أعظم نعيم وأتم سرور ، والبكر ألذ استمتاعا ، وأكثر تعلقا
بالزوج وقربا ، وهو بها أسعد وأهنأ .
ثم إن الله تعالى من تمام نعمته جعل الحور العين لم يمسهن قبل إنس ولا جان ، كما
قال عز وجل : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) الرحمن/ 56 ،
ولا شك أن هذا أحظى عند الزوج ، وأحب إليه .
رابعا :
قال الله عز وجل :
(عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ
مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ
وَأَبْكَارًا) التحريم/ 5
وهذا وعد من الله تعالى لنبيه ، صلى الله عليه وسلم : أنه إن طلق نساءه ، زوجه ربه
خيرا منهن : (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ
ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) .
والمقصود بقوله : (ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) : أنهن على خير حال ، في جميل العشرة ،
وحسن التبعل ، وكمال الطاعة والرضا والصلاح ، سواء كنّ ثيبات أو أبكارا.
قال السعدي رحمه الله :
" (ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) أي: بعضهن ثيب ، وبعضهن أبكار ، ليتنوع صلى الله عليه
وسلم، فيما يحب " انتهى من "تفسير السعدي" (ص: 873) .
أما تقدم ذكر الثيب على البكر ، فليس لأن الثيب أفضل ؛ فإن العطف بـ"الواو"
: لا يقتضي ترتيبا بين المتعاطفين ، بأصل وضعه ؛ وقد قيل في حكمة ذلك : إنه لمراعاة
أن أكثر نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن ثيبات .
قال ابن عاشور :
" تَقْدِيمُ وَصْفِ ثَيِّباتٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَزوَاج النبي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجْهُنَّ : كُنَّ ثَيِّبَاتٍ " انتهى من "التحرير
والتنوير" (28/ 362) .
وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (118102) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج لمجرد التمتع بما أحل الله له ، بل كان زواجه من نسائه رضي الله عنهن لحكم كثيرة ، ذكرناها في جواب السؤال المذكور .
ففرق بين أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم النساء وأكثرهن ثيبات ، لحكم شرعية جليلة ، ومصالح ومقاصد دينية تنفع عموم الأمة ، وكذلك الرجل يتزوج ، فيختار أحيانا الثيب لبعض الأسباب والمصالح ، وبين حال أهل الجنة الذين يتزوجون لمحض المتعة واللذة ، وكمال النعيم والفرح والحبور ، ليس وراء زواجهم من مقصد سوى ذلك ، فيكون زواجهم بالأبكار هو الأفضل .
والله تعالى أعلم .
تعليق