الحمد لله.
أولاً :
" الصفرة : ماء أصفر كماء الجروح .
والكدرة : ماء ممزوج بحمرة ، وأحياناً يمزج بعروق حمراء كالعلقة ، فهو كالصديد ؛ يكون ممتزجاً بمادة بيضاء وبدم " انتهى من " الشرح الممتع " للشيخ ابن عثيمين (1/498 - 499) .
ثانيا :
الأحاديث والآثار الواردة في الصفرة والكدرة تسوّي بينهما في الحكم . فالكدرة
والصفرة في غير أيام الحيض لا تعد حيضاً .
بوّب الإمام البخاري في صحيحه " باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض " ، ثمّ روى
حديث أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها ، أنها قَالَتْ : " كُنَّا لاَ نَعُدُّ
الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا " رواه البخاري (326) ، ولفظ أبي داود (307) : "
كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ( كنا لا نعدّ ) أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك ، وبهذا يعطي
الحديث حكم الرفع " انتهى من " فتح الباري " (1/426) .
وأمّا إذا كانت الصفرة والكدرة في أيام الحيض : فهي حيض .
فقد : كُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الكُرْسُفُ
فِيهِ الصُّفْرَةُ ، فَتَقُولُ : " لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّةَ
البَيْضَاءَ " ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الحَيْضَةِ . ذكره البخاري معلقاً
بصيغة الجزم في " صحيحه " ، " فتح الباري " (1/420) .
ووصله الإمام مالك في " الموطأ – تحقيق الأعظمي " (189) ، وصححه الألباني في "
إرواء الغليل " (1/218) .
وروى الدارمي في " السنن " (885) نحوه بلفظ : " كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا تَنْهَى النِّسَاءَ أَنْ يَنْظُرْنَ لَيْلًا فِي الْمَحِيضِ ، وَتَقُولُ :
إِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ " .
وهذا الذي عليه جماهير أهل العلم : أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
" ودل قول عائشة رضي الله عنها هذا ، على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض : حيض ،
وأن من لها أيام معتادة تحيض فيها ، فرأت فيها صفرة أو كدرة : فإن ذلك يكون حيضاً
معتبراً .
وهذا قول جمهور العلماء ، حتى إن منهم من نقله إجماعا ، منهم : عبد الرحمن بن مهدي
، وإسحاق بن راهويه .
ومرةً خص إسحاق حكاية الإجماع بالصفرة دون الكدرة .
ولكن ذهب طائفة قليلة ، منهم : الأوزاعي ، وأبو ثور ، وداود ، وابن المنذر ، وبعض
الشافعية إلى أنه لا يكون ذلك حيضاً حتى يتقدمه في مدة العادة دم " انتهى من " فتح
الباري " (2/125 - 126) .
فلم يفرق أهل العلم بين الكدرة والصفرة ، إلا ما روي عن أبي يوسف من الحنفية في حالة خاصة ، وهي في حالة خروجهما في مدة الحيض قبل خروج الدم ، فإذا خرجت صفرة قبل خروج الدم : جعلها من الحيض ، أما إذا خرجت كدرة قبل الدم فلم يعدّها من الحيض ، لكن هذا القول مجرد اجتهاد منه ، خالفه فيه عامة العلماء .
قال أبو الفضل ابن مودود الموصلي الحنفي رحمه الله :
" ( وما تراه المرأة من الألوان في مدة حيضها : حيض ، حتى ترى البياض الخالص ) ،
لما روي : " أن النساء كن يعرضن الكراسف على عائشة ، فكانت إذا رأت الكدرة قالت :
لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " ، أي البياض الخالص .
وقال أبو يوسف : لا تكون الكدرة حيضاً إلا بعد الدم ؛ لأن الكدرة ما يتكدر ، وأول
الشيء لا يتكدر .
ولنا : ما روينا عن عائشة ، من غير فصل .
ولأنها من ألوان الدم ، فسواء كانت أولاً وآخراً ، كغيرها من الألوان .
وقوله : أول الشيء لا يتكدر ؟
قلنا : لم قلت : إن هذا أوله ؟ وهذا إنما يكون في إناء يسيل من أعلاه ، وهذا يسيل
من أسفله ، فيجب أن تكون الكدرة أولا ، كالجرة يثقب أسفلها فإنه يسيل الكدر أولا ؛
كذا هذا " انتهى من " الاختيار لتعليل المختار " (1/27) .
يريد بذلك : الرد على أبي يوسف رحمه الله في قوله : إن أول الشيء لا يتكدر ، فيقول : إن أول الشيء لا يتكدر إذا كان ذلك في إناء يسيل من أعلاه ، فالأعلى يكون صافياً ، والأسفل هو الذي يكون كدراً ، والكدرة التي نتحدث عنها ليست كذلك ، بل هي على العكس ، فهي كالإناء الكدر يسيل من أسفله ماء كدراً ؛ فلا يلزم أن يكون هذا الخارج أولاً : صافيا ، بل قد يكون أول ما يخرج من الحيض : كدراً .
والله أعلم .
تعليق