الحمد لله.
من اشترى عقاراً لا بقصد التجارة ، وإنما كملاذ آمن يستودع فيه ماله ، بحيث إنه : متى احتاج إليه للنفقة أو للعلاج أو لزواج الأبناء أو غير ذلك ، باعه وانتفع بثمنه : فهذا لا تجب عليه زكاته ؛ لأنه لم ينو به التجارة ، وإنما اشتراه بقصد حفظ المال ، ولذلك فهو يعد من "مال القنية" التي لا تجب فيها الزكاة بالإجماع .
وقد ذكر العلماء أن من معاني
القنية : حفظ المال والادخار.
قال النووي : " الْقنية بِكَسْر الْقَاف : الادخار ، قَالَ الْجَوْهَرِي : وَيُقَال
: قنوت الْغنم وَغَيرهَا قُنوة وقِنوة بِكَسْر الْقَاف وَضمّهَا ، وقنيت أَيْضا
قِنية بِالْكَسْرِ وَالضَّم : إِذا اتخذتها لنَفسك لَا للتِّجَارَة " . انتهى من "
تحرير ألفاظ التنبيه " (ص: 113)
وقال الكفوي : " الْقنية: هِيَ اسْم لما يقتنى أَي: يدّخر ويتخذ رَأس مَال زِيَادَة
على الْكِفَايَة".
انتهى من " الكليات " (ص: 734) .
فمن اشترى عقاراً ليحفظ به
ماله من الضياع أو السرقة أو خشية استهلاكه بكثرة النفقة ، وربما يستفيد من هذا
العقار مستقبلاً بزراعة أو استراحة أو سكن أو استثمار أو إيجار أو نحو ذلك، فهذا لا
يعد عروض تجارة .
قال الشيخ ابن عثيمين : " إذا اشترى الإنسان أرضا في مصر أو في السعودية أو في
العراق أو في الشام أو في أي مكان من الأرض ، وهو لا يريد الاتجار بها ، إنما
اشتراها ليبني عليها سكنا ، أو يبني عليها بناء يؤجره ، أو اشتراها ليحفظ فلوسه
فيها : فليس عليه في ذلك زكاة ؛ لأن الأراضي عينها ليس فيها زكاة حتى تكون للتجارة
، أي حتى يجعلها الإنسان رأس مال له ، يبيع فيه ويشتري .
فإذا كان الأول هو مرادك بشراء هذه الأرض : فليس فيها زكاة .
وإذا كان قصدك أن تتجر بها ، كما يتجر أصحاب العقارات بأراضيهم : فعليك فيها الزكاة
". انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (215/ 15) .
وقال أيضا:
" الإنسان الذي عنده أرض ، نسأله أولاً: ماذا تريد بهذه الأرض؟ هل تريد أن تبقيها
لتبني عليها مسكناً أو تبني عليها مبنى للتأجير، أو تريد أن تحفظها وتقول: إن احتجت
بعتها وإلا أبقيتها، أو تقول: اشتريت الأرض لأحفظ دراهمي؛ لأنني رجل أخرق لو بقيت
الدراهم في يدي لضاعت، ولكني أحفظ دراهمي بهذه الأرض، ولا أقصد الفرار من الزكاة،
فإذا كان يريد هذه الأمور : فالأرض لا زكاة فيها". مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين
(18/147)
ولكن يستثنى من هذا : من
يشتري العقار لحفظ المال بقصد التهرب من الزكاة ، فهذا تجب عليه الزكاة ؛ لأن من
تحايل لإسقاط واجب شرعي : لم يسقط عنه .
قال المرداوي: " وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ ،
فَقِيلَ: يُزَكِّي قِيمَتَهُ ... وَهُوَ الصَّوَابُ، مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ
مَقْصُودِهِ ، كَالْفَارِّ مِنْ الزَّكَاةِ " انتهى من " تصحيح الفروع " (4/ 206) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد: " لما كانت أحكام الزكاة في عُرُوض التجارة – ومنها:
(العقارات) – تدور على النية ، وهي بين العبد وبين رب ه, لذا فإنه يحرم على من وجبت
عليه الزكاة تحويل نيته فراراً منها, وهو آثم , فعليه التوبة إلى الله تعالى بإعمال
نيته الصادقة فيها, وإن لم يَتُبْ ، وعُلِمَ منه ذلك : فإنه يُعامل بنقيض قصده ,
وتؤخذ منه الزكاة لذلك العقار.
مثال ذلك: إذا كان مالك العقار نيته البيع وطَلَبُ الربح , ثم لما قرب تمام الحول
حَوَّل نيته إلى الإِيجار أو القُنية ، فراراً مما افترضه الله عليه من الزكاة ,
فإنه يُعامل بنقيض قصده , فتجب عليه زكاة رقبة الملك , وتؤخذ منه قَضَاءً". انتهى
من " فتوى جامعة في زكاة العقار" صـ29
تعليق