الحمد لله.
أولا :
ليس من شك في أن الجنة التي أسكنها الله آدم : هي جنة الخلد ، وعلى ذلك دلت نصوص الكتاب والسنة ، واتفق سلف الأمة وأئمتها .
ينظر " مجموع الفتاوى " لشيخ الإسلام (4 / 347) .
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم : (218371) .
ثانيا :
لا تعارض بين ما سبق ، وبين ما أخبرنا الله به من أنّ إبليس أغوى آدم ، ووسوس له
بالخلود إن أكل من الشجرة ؛ كما قال الله تعالى : ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا
الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ
مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ
أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) الأعراف /20 .
وإنما كان يرد الإشكال في أحوال :
الأولى :
أن يكون آدم عليه السلام ، قد علم ـ قبل أن يوسوس له إبليس ـ أن هذه الجنة التي
يسكنها ، هي جنة الخلد ، وليس عندنا خبر بأن آدم عليه السلام كان يعلم ذلك .
الثانية :
أن يكون آدم عليه السلام قد علم أنها جنة الخلد ، وأن الله وعده ألا يخرج منها ؛
فقد يكون علم أن هذه حقا هي جنة الخلد ، لكن لا يمنع ذلك أن يخرج منها ، ثم يعود
إليها بعد أمد ، يعلمه الله ، كما قد حصل ذلك فعلا ، وكان هذا هو ما قدره الله عليه
؛ فحينئذ لا إشكال في إغواء إبليس له ، أنه لن يخرج من هذه الجنة ، بل سيبقى فيها ،
إن أكل من هذه الشجرة .
وقد قال الله تعالى : ( فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ
فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ
فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ) طه/117-119
.
ففي هذه الآية ضمان أن أمنه ـ في الجنة ـ من الجوع والعري ، والعطش والضَّحَى ؛ لكن
ليس فيها أن الله ضمن له الخلود ، من غير موت ، أو ضمن له أن يبقى فيها ، ولا يخرج
، بل في هذه الآيات إشارة إلى أنه سوف يمر بتجربة ابتلاء واختبار ، وحذره من أسباب
الخروج من الجنة ، وبين له ما يلقاه ، إن هو خرج منها .
الثالثة :
أن يكون آدم عليه السلام ، قد علم أن الخلود مضمون له ، من غير أن يأكل من هذه
الشجرة ؛ فقد يكون آدم عليه السلام علم أن هذه الجنة هي جنة الخلد ، لكن الخلود
فيها يتطلب سببا آخر ، سوى مجرد دخوله إليه ، فأغواه الشيطان ، ووسوس له أن سبب
خلوده فيها ، هو أكله من هذه الشجرة . قال تعالى : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ
الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ
لَّا يَبْلَى ) طه /120 .
الرابعة :
أن يكون على علم بذلك كله ، ثم لا ينساه ؛ فأما إذا نسيه ، أو أنساه الشيطان ذكر
ذلك ، فلا مانع أن يغويه ، ويوسوس له في لحظة ذهوله عنه ، ونسيانه له . وقد وصف
الله آدم عليه السلام بأنه نسي عهده له ألا يقرب هذه الشجرة ، قال تعالى : (
وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا
حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ
الظَّالِمِينَ ) ، وقال تعالى أيضا : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ
فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) طه /115 .
تعليق