الحمد لله.
أولاً :
لا يجوز بيع الذهب بالنقود مؤجلاً ، سواء كان التأجيل لكل الثمن أم لبعضه ؛ لاشتراط التقابض بين المتابعين في هذه الحال ؛ فقد روى مسلم (1587) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، ..... ، مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) .
ومعنى (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) : يعني : إذا بِيع الذهب بالفضة فيجب أن يكون يدا بيد ، بمعنى التقابض في مجلس العقد ، وعدم جواز التفرق قبل القبض .
والأوراق النقدية تأخذ حكم الذهب والفضة في ذلك .
جاء في " فتاوى اللجنة
الدائمة - المجموعة الأولى " (13/466) :
" إذا باع إنسان مصاغا من الذهب لآخر ، وليس مع المشتري بعض القيمة أو كل القيمة ،
ولا بعد أيام أو شهر أو شهرين ، فهل هذا جائز أو لا ؟
ج2 : إذا كان الثمن الذي
اشترى به مصاغ الذهب ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية أو
مستنداتها لم يجز ، بل هو حرام ؛ لما فيه من ربا النسأ ، وإن كان الشراء بعروض
كقماش أو طعام أو نحوهما جاز تأخير الثمن " انتهى .
وللفائدة ينظر في جواب
السؤال رقم : (97031) .
ثانياً :
إذا اشتري الحلي بثمن معين ، بعضه حال وبعضه مؤجل ، فإن العقد يصح في القدر الحال -
أي : المعجل من الثمن - ويبطل في القدر المؤجل ، وعليه ، فلو اشترى شخص حلي ذهب بـ
مائة ألف – مثلاً - ، ولم يدفع من ذلك المبلغ إلا النصف – خمسين ألفاً - ، فإن
البيع يصح بقدر المقبوض من الثمن ، وعليه ، فما زاد على قيمة الخمسين ألفاً من
الحلي يرد على البائع ؛ لكون العقد لم يصح فيه .
جاء في " الموسوعة الفقهية "
(26/352) :
" إِذَا حَصَلَ التَّقَابُضُ فِي بَعْضِ الثَّمَنِ دُونَ بَعْضِهِ ، وَافْتَرَقَا :
بَطَلَ الصَّرْفُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ ، بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ ، وَاخْتَلَفُوا
فِيمَا حَصَلَ فِيهِ التَّقَابُضُ ، وَلَهُمْ فِيهِ اتِّجَاهَانِ :
الأَوَّلُ : صِحَّةُ الْعَقْدِ فِيمَا قُبِضَ وَبُطْلانُهُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ .
وَهَذَا رَأْيُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ،
وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
الثَّانِي : بُطْلانُ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ وَوَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" قوله : .. قبل قبض الكل أو البعض بطل العقد فيما لم يقبض أي : وصح فيما قبض .
مثال ذلك : اشترى مائة درهم بعشرة دنانير فهذا صرف ، فإذا استلم كل واحد منهما ما
آل إليه : صح العقد ، أي : تبين أن العقد صحيح ، وإذا سلمه خمسين درهماً فقط وتفرقا
، صح العقد في خمسين الدرهم ، ويقابلها خمسة دنانير والباقي لا يصح ، وهذا بناء على
تفريق الصفقة ، وأنه يمكن أن يصح بعضها دون بعض .... .
فإن لم يسلم شيئاً إطلاقاً بطل العقد في الجميع .
وهذه المسألة ، نظيرها : إذا
اشترى الإنسان حلياً من شخص بعشرة آلاف ريال ، وسلمه خمسة آلاف ريال فقط ، والباقي
قال : أحضره لك غداً ؟
فإنه يصح في النصف ، والباقي لم يدخل في ملكه ، ولا يصح فيه العقد .
فإن لم يعطه شيئاً ، بأن قال : سآتيك بالدراهم بعد العصر ، وأعطني الحلي الآن ، بطل
العقد في الجميع " انتهى من " الشرح الممتع " (8/450) .
وجاء في " فتاوى إسلامية "
(2/361) :
" سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم من اشترى ذهباً وبقى عليه من قيمته ،
وقال آتى بها إليك متى تيسر ؟
فأجاب : لا يجوز هذا العمل ، وإذا فعل : صح العقد فيما قبض عوضه ، وبطل فيما لم يقبض ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بيع الذهب والفضة : ( بيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) " انتهى .
فإذا أمكن قسمة الحلي من غير
ضرر على أحد الطرفين : وجب تفريق الصفقة ، كما سبق بيانه ، فيأخذ المشتري من هذه
الحلي ، بقدر المبلغ الذي دفعه ، ويرد الباقي على البائع ، أو يدفع ثمنه حالا .
فإن لم تمكن القسمة ، وصار البائع والمشتري شريكين في بعض الحلي ، ثبت لهما الحق في
فسخ البيع ، دفعا للضرر الحاصل بالشركة .
وكذلك لو فات غرض المشتري أو البائع بهذه القسمة ، كما لو كان الحلي طقما واحدا ،
يريد المشتري أخذه كله ، ويفوت غرضه إذا أخذ نصفه فقط ، أو يتضرر البائع ببيع بعضه
.
وينظر للفائدة : "المغني" لابن قدامة (6/611-612) ، "الشرح الممتع" (8/257) .
والله أعلم .
تعليق