الحمد لله.
أولا :
قدَّر جماعة من العلماء النجاسة اليسيرة التي يعفى عنها بالدرهم البغلي ، ويسمى أيضا " الكسروي " ، وهو نوع من الدراهم ، كان موجودا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء ، وكان كبيرا نسبيا عن غيره من الدراهم ، حيث إن هناك دراهم أخرى تسمى " الطبرية " كانت صغيرة على النصف من البغلية ، ولم يزل الناس في الصدر الأول على هذه الدراهم ، حتى سُكّت العملة أيام الدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان .
روى ابن سعد " أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ضَرْبَهَا وَنَقَشَ عَلَيْهَا " انتهى من " الطبقات الكبرى " (5/177) ، وينظر " الأحكام السلطانية للماوردي " (ص:237) .
وقيل: إنه سمي بغليا إما
لأنه بحجم الدائرة السوداء التي تكون في باطن ذراع الحمار أو البغل .
أو نسبة إلى الملك الفارسي " رأس البغل " الذي كان يسكها وعليها صورته .
قال النووي : " البغلية منسوبة إِلَى ملك يُقَال لَهُ رَأس الْبَغْل " .
انتهى من " تحرير ألفاظ التنبيه " (ص113) .
وقال القسطلاني :
" كان التعامل غالبًا في عصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصدر الأول
بعده بالدرهم البغلي نسبة إلى البغل ، لأنه كان عليها صورته ، وكان ثمانية دوانق ،
والدرهم الطبري نسبة إلى طبرية قصبة الأردن بالشام ، وتسمى بنصيبين وهو أربعة دوانق
، فَجُمِعا وقُسِما درهمين ، كل واحد ستة دوانق ، وقيل: إنه فعل زمن بني أمية وأجمع
أهل ذلك العصر عليه. وروى ابن سعد في الطبقات: أن عبد الملك بن مروان أول من أحدث
ضربها ونقش عليها سنة خمس وسبعين. وقال الماوردي: فعله عمر " انتهى من " إرشاد
الساري لشرح صحيح البخاري " (3/11) .
وقال أبو البقاء الدميري :
" كانت الدراهم، في ذلك الوقت، إنما هي الكسروية، التي يقال لها اليوم البغلية، لأن
رأس البغل ضربها لعمر رضي الله تعالى عنه، بسكة كسروية في الإسلام مكتوب عليها صورة
الملك وتحت الكرسي مكتوب بالفارسية نوش خور أي كل هنيئا. وكان وزن الدرهم منها،
قبل الإسلام، مثقالا " انتهى من " حياة الحيوان الكبرى " (1/97) .
وينظر للفائدة : " مواهب الجليل " (1/147) .
ثانيا :
أما عن قياسه التقريبي ، فقد قال الشيخ عطية سالم رحمه الله :
" بعضهم يقول : هو بقدر ما يرى في ذراع أو في ساق الحمار أو البغل من الداخل على
هيئة دائرة سوداء تعادل الريال السعودي تقريباً " انتهى من " شرح بلوغ المرام "
(12/11) بترقيم الشاملة .
والمقصود بالريال السعودي ، هو الريال الفضي المسكوك في عهد الملك عبد العزيز ،
وقطره أربع سنتميتر إلا قليلا ، وهو بالتحديد 37 ملميتر .
وهذا التقدير يقارب ما ذكره العلماء من أن الدرهم البغلي يقدر بمقدار أخمص الراحة ،
وهو المنخفض في باطن اليد .
وفي " فقه العبادات على المذهب المالكي " (ص: 135) :
" والمراد بالدرهم البغلي قدر مساحة قعر الكف ، فالعبرة للمساحة لا للكمية ، لأنها
قد تكون نقطة دم لكن ثخينة " انتهى .
وهذا يقارب ما هو موجود
اليوم في المتاحف ، وأثبته المهتمون بالعملات والمسكوكات القديمة .
فقد جمع " مركز الكويت العالمي لدراسة المسكوكات " عددا لا بأس به من هذه الدراهم
البغلية ، وقيدوا أوزانها وأقطارها ، وذكروا أن قطرها يبلغ ثلاثة سنتميترات تقريبا
، وحيث إنها تختلف وليست متطابقة تماما ، فقد تختلف قليلا زيادة ونقصا .
ينظر الرابط :
http://bit.ly/2fzMao7
ثالثا :
تقدير المعفو عنه من نجاسة الدم بالدرهم البغلي ، هو قول المالكية .
والحنفية يعممونه في سائر النجاسات ولا يقصرونه على الدم .
وأكثر العلماء يرجعون التقدير في ذلك إلى العرف ، وما لا يفحش في القلب .
وينظر " المجموع " (2/95) ، " الموسوعة الفقهية الكويتية " (30/169) .
وللفائدة فيما يعفى عنه من
يسير الدم ، ويسير غيره من النجاسات عموما ، ينظر جواب السؤال : (163819)
، (221756)
.
والله أعلم .
تعليق