الحمد لله.
جعل الشرع قصر الصلاة متعلقا بوجود صفة السفر .
قال الله تعالى :
( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) النساء (101) .
وعَنْ عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا قَالَتْ: ( فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ ) رواه البخاري (3935) ومسلم (685) واللفظ له .
وعلى هذا اتفق أهل العلم .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" يجوز القصر في السفر ، في الظهر والعصر والعشاء ، ولا يجوز في الصبح والمغرب ، ولا في الحضر وهذا كله مجمع عليه " انتهى من " المجموع " (4 / 322) .
والعاملون في السفن التابعة لشركات نقل المسافرين أو البضائع في هذا العصر ، ما دام لهم أماكن إقامة في البر - في المدن أو القرى - فيها عائلاتهم وزوجاتهم وأولادهم يأوون إليها حال انتهاء عملهم وفي أيام العطل وأوقات الراحة ، ففي وقت عملهم في السفن هم مسافرون في عرف جميع الناس ، فيكونون بهذا ممن يسن لهم قصر الصلاة ، لتحقق صفة السفر فيهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ويفطر من عادته السفر ، إذا كان له بلد يأوي إليه. كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام وغيره من السلع ، وكالمُكاري الذي يكري دوابه من الجلاب ، وغيرهم. وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم. وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه.
فأما من كان معه في السفينة امرأته ، وجميع مصالحه ، ولا يزال مسافرا : فهذا لا يقصر ، ولا يفطر.
وأهل البادية: كأعراب العرب والأكراد والترك وغيرهم ، الذين يشتون في مكان ، ويصيفون في مكان : إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى المصيف ، ومن المصيف إلى المشتى : فإنهم يقصرون.
وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم : لم يفطروا ، ولم يقصروا. وإن كانوا يتتبعون المراعي . والله أعلم." انتهى، من "مجموع الفتاوى" (25/213) .
ثانيا :
طول مدة السفر وتتابعه لا يسقط سنة قصر الصلاة ؛ لأنها سنة ربطت بوجود صفة السفر ، فمتى وجد السفر ، سن القصر ولو استمر السفر سنوات ؛ ما دام أنه لم ينو الإقامة في هذا المكان ؛ فإذا نوى الإقامة : أتم صلاته .
قال الترمذي رحمه الله تعالى :
" أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ، ما لم يُجْمِع إقامة ، وإن أتى عليه سنون " انتهى من " سنن الترمذي " (2 / 434) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :
" لا أعلم خلافا فيمن سافر سفرا يقصر فيه الصلاة : لا يلزمه أن يتم في سفره إلا أن ينوي الإقامة في مكان من سفره ويجمع نيته على ذلك " انتهى من " الإستذكار " (2 / 242) .
وهذه حال عمال السفن ، الذين لهم منازل يأوون إليها ، إذا خرجوا من البر ، كما سبق في كلام شيخ الإسلام ؛ فإنهم يقصرون الصلاة ، ما داموا مسافرين عن بلد إقامتهم ، مهما طالت مدة سفرهم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" لو كان أهله – أي ملّاح السفينة - في بلد : فإنه مسافر ولو طالت مدته في السفر ...
فمثلاً : إذا كان ملاحاً في سفينة وأهله في جدة ، لكنه يروح يجوب البحار كالمحيط الهندي والهادي ، ويأتي بعد شهر أو شهرين إلى جدة فهذا مسافر ؛ لأنه ليس معه أهل ، بل له بلد يأوي إليه .
وكذلك أيضاً : لو فرض أن الملاح ينوي الإِقامة في بلد ، فهذا نقول له : إنك مسافر إذا فارقته ، لأن لك بلداً معيناً عيّنته للإِقامة .
ومثل ذلك أصحاب سيارات الأجرة الذين دائماً في البر ؛ نقول : ... إن كان لهم أهل في بلد ، فإنهم إذا غادروا بلد أهلهم فهم مسافرون ، يفطرون ويقصرون .
وكذلك لو لم يكن لهم أهل لكنهم ينوون الإِقامة في بلد ، يعتبرونه مثواهم ومأواهم ؛ فهم مسافرون حتى يرجعوا إلى البلد الذي نووا أنه مأواهم " انتهى من " الشرح الممتع " (4 / 380) .
والحاصل مما سبق :
أنكم تقصرون الصلاة حال سير السفينة ، وحال نزولكم بالسعودية ، لأنكم لا تنوون الإقامة بها. أما في نزولكم مصر : فإن كان الميناء غير متصل بمدينة إقامتكم وسكنكم ، فإنكم في حكم المسافر ، ولكم القصر .
وإن كان الميناء متصلا بمدينة سكنكم : فإنكم تكملون الصلاة أربعاً ، متى وصلتم إلى الميناء ؛ لانقطاع حكم السفر بالرجوع إلى وطن السكن والإقامة .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (27 / 286) :
" إذا دخل المسافر وطنه : زال حكم السفر ، وتغير فرضه بصيرورته مقيما، وسواء دخل وطنه للإقامة ، أو للاجتياز ، أو لقضاء حاجة ، أو ألجأته الريح إلى دخوله ... " انتهى .
والله أعلم .
تعليق