الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

التسمية عند كل لقمة والحمد بعدها

244414

تاريخ النشر : 17-09-2016

المشاهدات : 37896

السؤال


أحب أن أسمي الله لكل لقمة أو شربة سآكلها أو أشربها، وأحمد الله بعد أكلها أو شربها، بـ"الحمدلله". فهل في ذلك أي بدعة؟

ملخص الجواب

والحاصل : أنه لا يقال ببدعية التسمية والحمد مع كل لقمة، ولا يُنكر على من فعله . والله أعلم.

الجواب

الحمد لله.


اختلف الفقهاء في استحباب التسمية قبل كل لقمة، والحمد عقب كل لقمة من الطعام، وذلك على أقوال:
القول الأول:
ذهب فريق من الفقهاء إلى أن هذا الفعل من المباحات ، لكنه ليس من السنة ولا من المستحسنات، ولا هو الأولى والأفضل ، وأكثر الفقهاء الذين تحدثوا في آداب الطعام والشراب لم يتحدثوا عن التسمية عند كل لقمة وعند كل شربة ، ولم يذكروا أيضا الحمد عقب كل لقمة أو شربة، وإنما ظاهر كلامهم يدل على أن المستحب في التسمية عند الطعام أن تكون أوله ، وكذلك الحمد في آخره كله، بل لم يستحسن بعضهم التسمية أو الحمد عند كل لقمة منه ، إيثارا للاتباع دون زيادة عليه.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
"لم يبلغنا أن النبي عليه السلام كان يسمي على طعامه إلا في أوله، ويحمد الله في آخره، ولو كان كما قال من ذكرنا قوله لسمى عند كل لقمة، وحمد عند كل لقمة، وهذا لم يُرو عنه، ولا نعلم أحدا فعله عند كل لقمة من طعامه، وإن فعله أحد لم أستحسنه له، ولم أذمَّه عليه" .
انتهى من "التمهيد" (1/ 398) .
ويقول ابن حجر رحمه الله:
"وأما ما ذكره الغزالي في آداب الأكل من الإحياء أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسنا، وأنه يستحب أن يقول مع الأولى: بسم الله. ومع الثانية: بسم الله الرحمن. ومع الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم.
فلم أر لاستحباب ذلك دليلا. والتكرار قد بين هو وجهه بقوله: حتى لا يشغله الأكل عن ذكر الله" انتهى من "فتح الباري" (9/ 521)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"ليس كلما أكلت لقمة قلت: الحمد لله ، أو كلما أكلت تمرة قلت: الحمد لله، السنة أن تقول إذا انتهيت نهائياً.
وذُكر أن الإمام أحمد رحمه الله كان يأكل ويحمد على كل لقمة، فقيل له في ذلك فقال: أكلٌ وحمدٌ، خيرٌ من أكل وسكوت .
ولكن لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإنسان إذا حمد الله في آخر أكله أو آخر شربه كفى.
ولكن إن رأى مصلحة مثلاً في الحمد؛ يذكر غيره أو ما أشبه ذلك، فأرجو ألا يكون في هذا بأس، كما فعله الإمام أحمد رحمه الله" انتهى من " شرح رياض الصالحين" (2/ 206) .
القول الثاني:
تستحب التسمية عند كل لقمة، والحمد عقبها، وليس فقط عند بداية الوجبة ونهايتها.
قال ابن هانئ رحمه الله:
"تعشيت مرة أنا وأبو عبد الله [يعني الإمام أحمد بن حنبل] وقرابة له، فجعلنا نتكلم، وهو يأكل، وجعل يمسح عند كل لقمة يده بالمناديل، وربما مسحها بالمنديل عند كل لقمة، وجعل يقول عند كل لقمة: الحمد لله، وبسم الله. ثم قال لي: أكل وحمد، خير من أكل وصمت" .
انتهى من "مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ" (2/133) .
ويقول ابن حزم رحمه الله:
"حمد الله تعالى عند الفراغ من الأكل حسن ، ولو بعد كل لقمة؛ لأنه فعل خير وبر، وفي كل حال" انتهى من " المحلى بالآثار" (6/ 118) .
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله:
"ولو قال مع كل لقمة بسم الله فهو حسن، حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله تعالى، ويقول مع اللقمة الأولى بسم الله ، ومع الثانية بسم الله الرحمن ، ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم ، ويجهر به ليذكر غيره" انتهى من " إحياء علوم الدين" (2/ 5) .
ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله:
"ولو سمى مع كل لقمة : فهو حسن" انتهى من "مغني المحتاج" (4/ 411) .
وجاء في "حاشية الجمل" (4/278):
"قال في الروض وشرحه ما نصه: ولو سمى مع كل لقمة : فهو أحسن ، حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله" انتهى.
والظاهر أنه يُستدل على هذا القول بدليلين:
الدليل الأول: أحاديث وردت في فضيلة هذا الفعل عند الشرب، وسيأتي نقلها وبيان ضعفها في القول الرابع.
الدليل الثاني: فضيلة الذكر عامة، وفضيلة لهج اللسان باسم الله وحمده، على قاعدة الاستكثار من الخير خير، في موقف عادي من مواقف الحياة، وهو تناول الطعام، وليس هو شعيرة أو منسكا خاصا يقتصر فيه على الوارد ولا يتجاوز بالزيادة كما هو شأن الصلاة مثلا.
القول الثالث:
التسمية عند كل لقمة من البدع المحدثة.
يقول ابن الحاج المالكي رحمه الله:
"ذكر بعضهم أنه يسمي عند كل لقمة. وهذا الذي قاله - وإن كان حسنا - فالاتباع أولى؛ لأنه لم يكن مِن فعل مَن مضى، ولا يسمي عند كل لقمة، إذ إن ذلك بدعة، فنحن متبعون لا مشرعون، اللهم اجعلنا من المتبعين" انتهى من "المدخل" (1/ 221) .
القول الرابع:
فرق بعض العلماء بين الطعام والشراب، فقالوا إن الطعام تستحب فيه التسمية أوله فقط، وأما الشرب، فيقسمه الشارب أثلاثا، يسمي عند كل ثلث، ويحمد في آخره.
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"وقال آخرون:
إنما نهي عن التنفس في الإناء ليزيل الشارب القدح عن فيه؛ لأنه إذا أزاله عن فيه صار مستأنفا للشرب، ومن سنة الشراب أن يبتدئه المرء بذكر الله ، فمتى أزال القدح عن فيه حمد الله ، ثم استأنف فسمى الله ، فحصلت له بالذكر حسنات ، فإنما جاء هذا رغبة في الإكثار من ذكر الله على الطعام والشراب" انتهى من "التمهيد" (1/ 397) .
ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
"الماء : فالسنة فيه المص، وأن يشربه في ثلاثة أنفاس، يسمي في أول كلٍّ، ويحمد آخره" .
انتهى من " الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/ 116) .
ويقول البهوتي رحمه الله:
"يسمي الشارب عند كل ابتداء، ويحمد عند كل قطع ، وقد يقال مثله في أكل كل لقمة ؛ فعله أحمد
وقال: أكلٌ وحمدٌ خيرٌ من أكل وصمت" انتهى من " كشاف القناع" (5/ 174) .
ويقول ابن الحاج المالكي رحمه الله:
"في الأكل : لا يسمي عند كل لقمة، وفي الشرب يسمي عند كل واحدة من المرات الثلاث .
والفرق بين التسمية عند الأكل والشرب : اتباع السنة، فإن السنة فرقت بينهما، فجعلت التسمية في أول الأكل مرة، والتحميد في آخره، وجعلت في الشرب أن يقول: بسم الله، ويمص الماء مصا، ثم يقطع ويحمد الله تعالى، ثم يسمي، ثم يشرب الثانية، ثم يحمد الله عقبها، ثم يسمي، ثم يشرب حتى يروى، ثم يحمد الله، فهذه ثلاث مرات متواليات" انتهى من "المدخل" (1/ 234) .
واستدلوا على هذا القول بأحاديث عدة، منها:
حديثٍ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ البَعِيرِ، وَلَكِنْ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ) رواه الترمذي في "السنن" (1885) .
ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الترمذي نفسه بقوله: حديث غريب ، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" وغيرهما. وعلته يزيد بن سنان، أبو فروة الرهاوي، اتفقت كلمة النقاد على تضعيفه، بل ونكارة حديثه. انظر "تهذيب التهذيب" (11/336) .
واستدلوا أيضا بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ:
(كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثَةَ أَنْفَاسٍ، يُسَمِّي عِنْدَ كُلِّ نَفَسٍ، وَيَشْكُرُ فِي آخِرِهِنَّ) .
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/205) ولكنه حديث ضعيف جدا بسبب معلى بن عرفان، قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. ينظر "ميزان الاعتدال" (4/149)، وله علل أخرى.
واستدلوا أيضا بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(كَانَ يَشْرَبُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ ، إِذَا أَدْنَى الْإِنَاءَ إِلَى فِيهِ سَمَّى اللَّهَ، فَإِذَا أَخَّرَهُ حَمِدَ اللَّهَ، يَفْعَلُ بِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/257)، وإسناده ضعيف أيضا بسبب تفرد من لا يقبل تفرده بمثل هذا. لذلك قال أبوحاتم: هذا حديث منكر. "علل الحديث" (6/136) .
وعلى فرض صحته أجاب عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله:
" يحتمل أن يكون المراد به في الابتداء والانتهاء فقط " انتهى من "فتح الباري" (10/ 94) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب