الحمد لله.
أولاً :
بيع البعير بالبعيرين إلى أجل ، جائز في مذهب جمهور أهل العلم .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " (13/ 278- 279) :
" مذهب جمهور العلماء أن ما لا كيل فيه ولا وزن ، كالثياب والحيوان ونحوهما : يجوز
بيعه بجنسه أو بغيره ، متساويا أو متفاضلا ، مع نسيئة ؛ ويدل لمشروعية ذلك ما رواه
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : " جهز رسول الله صلى الله عليه
وسلم جيشا على إبل من إبل الصدقة حتى نفدت ، وبقي ناس ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( اشتر لنا إبلا من قلائص الصدقة إذا جاءت ، حتى نؤديها إليهم ) ،
فاشتريت البعير بالاثنين ، والثلاث قلائص ، حتى فرغت ، فأدى ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم من إبل الصدقة " رواه الإمام أحمد في مسنده " انتهى .
وينظر : "فتح الباري" لابن حجر (4/419) .
والمراد بـ " ما لا كيل فيه ولا وزن " : يعني : غير الأصناف الربوية ، من الثياب
، والحيوان ، ونحوه .
قال الشافعي رحمه الله :
" وَلاَ بَأْسَ بِالْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ مِثْلِهِ وَأَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ
وَنَسِيئَةً فَإِذَا تَنَحَّى عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى مَا لاَ يَجُوزُ
الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ فَالنَّقْدُ مِنْهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ "
انتهى من "الأم" (4/70) .
وترجم على ذلك الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : " بَاب بَيْعِ الْعَبِيدِ
وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً .
قال : " وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ
عَلَيْهِ ، يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَة ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ
يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنَ الْبَعِيرَيْنِ ، وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ
بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ ، فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: آتِيكَ بِالآخَرِ
غَدًا رَهْوًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ : لاَ رِبَا فِى
الْحَيَوَانِ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ ، وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى
أَجَلٍ ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَة ً،
وَدرهم بِدرهم نَسِيئَة " انتهى .
وأما إقراض البعير بشرط أن يرده المقترض بعيرين ، فهذا غير جائز إجماعاً .
قال ابن قدامة رحمه الله (4/ 240) :
" وَكُلُّ قَرْضٍ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَزِيدَهُ ، فَهُوَ حَرَامٌ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ
. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَلِّفَ إذَا شَرَطَ
عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ ، زِيَادَةً ، أَوْ هَدِيَّةً ، فَأَسْلَفَ عَلَى ذَلِكَ :
أَنَّ أَخْذَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ رَبًّا " انتهى .
ثانياً :
سبب التفريق بين بيع البعير ببعيرين مؤجلاً ، وإقراض البعير ورده ببعيرين ، إنما هو
بسبب النية والقصد ، فنية البيع والمقصود منه مخالف لنية القرض والمقصود منه ؛
ولهذا حصل التفريق بين المسألتين في الحكم .
فالبيع يقصد به المعاوضة والربح والتكسب ؛ ولهذا جازت فيه الزيادة ، وجاز فيه
التأجيل في غير الربويات .
بخلاف القرض ، فموضوعه ومقصوده ، هو الإرفاق والإحسان بالمقترض ، فلو شُرط عليه أن
يرده بزيادة ، خرج القرض عن ذلك المقصود ، وصارت الزيادة فيه ربا.
وتأثير النية على حكم المعاملات ثابت بالإجماع ، فلو أعطي رجلٌ آخر مائة جرام من
الذهب قرضا إلى سنة ، كان ذلك جائزا ، بل هو قرض حسن يثاب عليه المقرض ، ولو أعطاه
إياها بيعًا على أن يأخذ ثمنها 100 جرام بعد سنة ، كان ذلك حراما ، لأن بيع الذهب
بالذهب يشترط فيه التماثل والتقابض .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فهذه النصوص وأضعافها تدل على أن المقاصد تغير أحكام التصرفات من العقود وغيرها ،
وأحكام الشريعة تقتضي ذلك أيضا ... .
ومن ذلك : أن الله تعالى حرم أن يدفع الرجل إلى غيره مالا ربويا بمثله على وجه
البيع ، إلا أن يتقابضا ، وجوز دفعه بمثله على وجه القرض ، وقد اشتركا في أن كلا
منهما يدفع ربويا ويأخذ نظيره ، وإنما فرق بينهما القصد ؛ فإن مقصود المقرض إرفاق
المقترض ونفعه ، وليس مقصوده المعاوضة والربح ، ولهذا كان القرض شقيق العارية ، كما
سماه النبي صلى الله عليه وسلم : "منيحة الوَرِق " فكأنه أعاره الدراهم ثم استرجعها
منه ، لكن لم يمكن استرجاع العين ، فاسترجع المثل .
وكذلك لو باعه درهما بدرهمين ، كان ربا صريحا ، ولو باعه إياه بدرهم ، ثم وهبه
درهما آخر : جاز ، والصورة واحدة ، وإنما فرق بينهما القصد .
فكيف يمكن لأحد أن يلغي القصود في العقود ، ولا يجعل لها اعتبارا ؟ " .
انتهى من " إعلام الموقعين " (3/81) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (33/130) :
" مَوْضُوعَ عَقْدِ الْقَرْضِ الإِرْفَاقُ وَالْقُرْبَةُ ، فَإِذَا شَرَطَ
الْمُقْرِضُ فِيهِ الزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ ، خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ ، فَمَنَعَ
صِحَّتَهُ ؛ لأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ قَرْضًا لِلزِّيَادَةِ ، لا لِلإِرْفَاقِ
وَالْقُرْبَةِ .
وَلأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَشْرُوطَةَ تُشْبِهُ الرِّبَا ؛ لأَنَّهَا فَضْلٌ لا
يُقَابِلُهُ عِوَضٌ ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ حَقِيقَةِ الرِّبَا ، وَعَنْ شُبْهَةِ
الرِّبَا وَاجِبٌ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وأصل جواز القرض أنه إرفاق ، وإلا لكان حراماً .
ووجه ذلك : أنك لو أردت أن تشتري من إنسانٍ درهماً بدرهمٍ ، بدون قبضٍ في المجلس ،
فإنه يكون ربا ، لكن إذا استسلفت منه درهماً على وجه القرض ، وستعطيه له بعد مدة
صار ذلك جائزاً ، لماذا ؟ لأنه لا يقصد بهذا القرض المعاوضة والاتجار والتكسب ،
وإنما يراد به الإرفاق بالمحتاج ، فإذا خرج عن مقصوده الأصلي ، وهو الإرفاق ، إلى
المعاوضة والمرابحة ، صار داخلاً في الربا ؛ لأن ذلك هو الأصل في إبدال الدراهم
بالدراهم ، ومن ثم نقول : كل قرضٍ جر منفعةً للمقرض ، فإنه ربا فهو حرامٌ ولا يجوز
" .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين .
ولمزيد الفائدة حول بيع العينة وسبب تحريمها ، ينظر جواب السؤال رقم : (105339)
.
والله أعلم .
تعليق