الحمد لله.
أولا :
المرأة أحق بحضانة طفلها ما لم تتزوج ؛ حتى يبلغ سن التمييز ؛ والطفل في هذه المرحلة من العمر أحوج ما يكون إلى حنان أمه ورعايتها ، وهي أشفق وأقدر من غيرها على ذلك .
وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم لها ، كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما : " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ ابْنِي هَذَا : كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي ) " .
رواه أحمد (6707) ، وأبو داود (2276) ، وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود " ، وصححه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (2/250) .
وعلى ذلك ؛ فالأصل في حضانة
الطفل أن تكون لأمه ما لم تتزوج ، ما دامت تراعي مصلحة الطفل ، وتعليمه دينه ،
وتربيته ، وليست تهمله أو تشجعه على الفساد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فكلّ من قدّمناه من الأبوين إنّما نقدّمه إذا حصل به مصلحتها – أي البنت - أو
اندفعت به مفسدتها .
فأمّا مع وجود فساد أمرها مع أحدهما : فالآخر أولى بها بلا ريب " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (34/131) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (220089)
، ورقم : (127610).
ثانيا :
لكل من أبوي المحضون إذا افترقا حق رؤية ابنه وزيارته ، وهذا أمر متفق عليه بين
الفقهاء ، وتحديد مقدار ذلك على ما يجري به العرف .
والذي يظهر أن تحديد بقائه في بيت أبيه نهار الجمعة من كل أسبوع تحديد جيد ، ما دام
بقاؤه عندها لا يُفسده ، ويحسن بكم أن تتراضوا وتتوافقوا على هذا .
وما تخشونه عليه من التأثير النفسي بسبب بعده عن والده ورحِمِه من جهة أبيه ، قد
تدّعي أمه مثله في بعده عنها وعن أقاربه من جهتها .
ولسنا ننكر التأثير النفسي حين ينقل الطفل عن بيئته التي عاش بها ، وهذه إحدى
الآثار السلبية على الأطفال ، ولا يكاد يخلو منها طلاق ، لكن قرب الطفل من أمه
ورعايتها له ، من شأنه أن يعوضه عن ذلك ، في غالب الأحوال .
فإذا بلغ الطفل سبع سنوات
فإنه يخير بين أبويه ، ويكون عند من اختاره منهما .
فقد روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلام
اختلف أبواه عليه : (هذا أبوك ، وهذه أمك ؛ فخذ بيد أيهما شئت ) ؛ فأخذ بيد أمه ،
فانطلقت به " . وصحح إسناده الألباني في " صحيح أبي داود " (7/47) .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" التَّقْدِيمَ فِي الْحَضَانَةِ لِحَقِّ الْوَلَدِ ، فَيُقَدَّمُ مَنْ هُوَ
أَشْفَقُ ; لِأَنَّ حَظَّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ ، وَاعْتَبَرْنَا الشَّفَقَةَ
بِمَظِنَّتِهَا ، إذَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا .
فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ حَدًّا يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيُمَيِّزُ بَيْنَ
الْإِكْرَامِ وَضِدِّهِ ، فَمَالَ إلَى أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ
أَرْفَقُ بِهِ ، وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ ، فَقُدِّمَ بِذَلِكَ .
وَقَيَّدْنَاهُ بِالسَّبْعِ ; لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَالٍ أَمَرَ الشَّرْعُ فِيهَا
بِمُخَاطَبَتِهِ بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ ; وَلِأَنَّ الْأُمَّ قُدِّمَتْ فِي حَالِ
الصِّغَرِ ، لِحَاجَتِهِ إلَى حَمْلِهِ ، وَمُبَاشَرَةِ خِدْمَتِهِ ، لِأَنَّهَا
أَعْرَفُ بِذَلِكَ ، وَأَقْوَمُ بِهِ ، فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ ، تَسَاوَى
وَالِدَاهُ ، لَقُرْبِهِمَا مِنْهُ ، فَرَجَّحَ بِاخْتِيَارِهِ " انتهى من " المغني
" (8/240) .
وأما إذا تبين أن الأم تهمل
ولدها ، أو تقصر في مصلحته ، بسبب طول دوامها ، أو انشغالها عنه : فهذا ينبغي رفعه
إلى المحكمة ، لتعيد النظر في أمر حضانته .
والله أعلم .
تعليق