السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

يقدم مصلحة أمه دائما على مصالح زوجته فما حكم ذلك؟

246961

تاريخ النشر : 21-12-2016

المشاهدات : 98400

السؤال


في رمضان الماضي كنت مريضة ، كنت أعاني من قرحة ، وانتفاخ في المعدة ، والأمعاء الغليظة ، وكنت أعاني من ألم شديد ، ولا أستطيع التنفس ، فقلت لزوجي : يأخذني للطبيب ، لكنه لم يرد أخذي ، وقال لي : سأصطحب أمي لتشتري الملابس ، فقلت له : أنا لا أستطيع أن اصبر ليومين آخرين ؛ لأن حالتي تسوء ، رغم ذلك لم يأخذني ، ومرة بعد ولادتي القيصرية تعرضت لإلتهاب في موضع العملية، فرفض اصطحابي ، وقال : سأصطحب أمي إلى الحمام الطبيعي ، وبعد غد سآخذها لتتفسح ، قلت له : المرض أولى ، ويمكنك أن تأخذها في يوم آخر ، دائما يقول لي : الأولوية لأمي حتى لو تموتين ، أمي التي تدخلني الجنة ، وليست أنت ، أعرف أن الأولوية لأمه ، لكن هل حتى في حالة المرض عليه أن يلبي رغبات أمه وزوجته تعاني ، ما حكم الشرع في هذه الحالة ؟

الجواب

الحمد لله.


ليس من شك في أن الأم هي أعظم الناس حقا على ابنها ، وأن برها من أوجب الواجبات عليه ، قال الله تعالى : (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً ) الأحقاف / 15 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ ، قَالَ : (أُمُّكَ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : ( ثُمَّ أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : (ثُمَّ أُمُّكَ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : (ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5971) ، ومسلم (2548) .

لكن ذلك لا يعني ألا يعطي الرجل الآخرين حقوقهم ، بل الواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه ، ويوازن بين هذه الحقوق ، ويجمع بين ما يقدر عليه من المصالح ، ويحسن سياسة بيته وشأنه .

وإذا كان الله تعالى قد أمر بالإحسان إلى الأم فقد أمر أيضا بالإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف ، قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/ من الآية 228 .
وقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 , قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " وهذا يشمل المعاشرة القولية ، والفعلية ، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته ببذل النفقة ، والكسوة ، والمسكن ، اللائق بحاله ، ويصاحبها صحبة جميلة ، بكف الأذى ، وبذل الإحسان ، وحسن المعاملة ، والخلق ، وأن لا يمطلها بحقها ، وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة ، وكل ذلك يتبع العرف ، في كل زمان ، ومكان ، وحال ، ما يليق به" .
انتهى من " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن " ( ص 132 ) .
ويراجع الفتوى رقم: (125457).

وإذا كان الإحسان إلى الأم طريقا إلى الجنة ، فالإحسان إلى الزوجة أيضا طريق إلى الجنة لأنه امتثال لأمر الله تعالى ، وكل امتثال لأمره سبحانه يقرب إلى رضوان الله وجنته.
فالواجب على الرجل أن يلتزم العدل وأن يعطي كل ذي حق حقه .

وإذا كان زوجك يحمد على بره بوالدته إلا أنه يحتاج إلى معرفة الموقف الصحيح حينما تتعارض مصالح والدته مع مصالح زوجته ، فليس معنى أن حق الأم آكد عليه من حق الزوجة : أن جميع مطالب الأم تُلبى وتقدم على مطالب الزوجة .
فقد تكون مطالب الأم نوعاً من الكماليات ، كالتنزه ، أو نوعا من الحاجات التي يمكن تأجيلها ولا يلحق الأم بسبب ذلك مشقة ولا أذى كشراء ثياب مثلا ، وفي الوقت ذاته تكون مطالب الزوجة من باب الضرورة أو الحاجة الشديدة التي ينبغي أن تُلبى فورا ، وتأخيرها يضر الزوجة أو يؤذيها أذى شديدا ، ففي هذه الحالة على الزوج أن يقدم حاجة زوجته على مطالب والدته ، ولا يكون بذلك عاقا أو مقصرا في حق الأم ، بل يكون موافقا لحكم الله ، فقدَّم ما أمر الله بتقديمه .
وقد ذكر القرافي رحمه الله الضابط فيما إذا تعارضت الحقوق ، ماذا يقدم منها ؟
فقال في كتابه "الفروق" (2/358، 359) :
"ويقدم الفوري على المتراخي".
والفوري هو ما لم يأذن الشرع بتأخيره ، والمتراخي ما أذن بتأخيره ، ودفع ضرورة المضطر أو حاجته – كالمرض – فوري ، لأنه إزالة لألم موجود بالفعل .
وقال أيضا : "ويقدم ما يخشى فواته على ما لا يخشى فواته ، وإن كان أعلى مرتبة منه ، كما تقدم حكاية قول المؤذن على قراءة القرآن ، لأن قراءة القرآن لا تفوت ، وحكاية قول المؤذن تفوت بالفراغ من الأذان".

وقد نص أهل العلم ـ أيضا ـ على أنه "إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها" .
انتهى من "تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن" (1 / 169).
ولا شك أن الضرورات تقدم على الحاجيات والحاجيات تقدم على التحسينيات.

وهذا ينطبق تماما على ما ذكرته ، فإغاثة الملهوف ومعالجة المريض المتألم أمر يخشى فواته ، بأن يتفاقم المرض ويزداد الألم ، أما شراء ثوب لوالدته – عندها غيره - ، أو الذهاب إلى الحمام الطبيعي أو التنزه فأمر لا يفوت ، ويمكن تأجيله .

غير أننا نأمل منك أن تعذري زوجك بقصده الحسن ، وأن يكون التفاهم معه حول ذلك ، بنصح هادئ ، وتسامح ، وإغضاء عن بعض الحقوق ؛ ومن ذا الذي ما ساء قط ؟ ومن له الحسنى فقط ؟
نسأل الله أن يصلح لك زوجك ، وأن يصلح ذات بينكما ، ويجمع بينكما في خير حال .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب