الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل الصدقة على المسكين بشيء لا يستخدمه الإنسان يعتبر من التصدق بالرديء؟

249211

تاريخ النشر : 23-02-2018

المشاهدات : 11289

السؤال


قرأت تفسير الآية الكريمة : (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بضب فلم يأكله ولم ينه عنه . قلت : يا رسول الله ، نطعمه المساكين ؟ قال : ( لا تطعموهم مما لا تأكلون ) " . فالرجل إذا لم يستخدم شيئا كيف يفعل ، وهو يعرف أنه إذا أعطاه مسكينا سيتفيد منه ؟

ملخص الجواب

النهي عن إخراج الخبيث الرديء في هذه الآية : إما أن يكون في الزكاة المفروضة ، يتعمد رديء المال ، ولا يخرج الزكاة من الطيب ، والواجب عليه أن يخرج زكاة المال من جنسه . وهو أظهر القولين في الآية . أو يكون ذلك في صدقة النافلة ، لكن على وجه الندب ، أو يتقصد المرء ألا يخرج من ماله إلا الخبيث منه ، ويبخل بالطيب ، ويدخره لنفسه .

الجواب

الحمد لله.


روى الإمام أحمد (24736) ، والبيهقي (19426) ، والطيالسي (1487) من طريق حَمَّاد بْن سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ - وهو ابن أبي سليمان- عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : " أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ، فَلَمْ يَأْكُلْهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: (لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ) ".
وهذا إسناد ضعيف ، منقطع .
قال محققو مسند الإمام أحمد :
" حديث صحيح دون قوله: (لا تطعموهم مما لا تأكلون)، وهذا إسناد اختلف فيه على حماد بن أبي سليمان وهو الراوي عن إبراهيم النخعي:
فرواه حماد بن سلمة - كما في هذه الرواية - عنه، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به.
ورواه سفيان الثوري - فيما أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (2 / 11) والبيهقي في "السنن" (9 / 325 - 326 ) عنه ، عن إبراهيم ، عن عائشة به ، فلم يذكر الأسود في الإسناد، وهو الصحيح فيما ذكره أبو زرعة الرازي والدارقطني في "العلل" (5/63) .
قلنا: وإبراهيم النخعي لم يسمع من عائشة.
وأخرجه ابن أبي شيبة (8 / 267 - 268) - ومن طريقه أبو يعلى (4461) عن عبيد الله بن سعيد - وهو الأموي -، عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.
قال أبو زرعة الرازي - كما في "العلل" لابن أبي حاتم (2 / 11)-: هذا خطأ أخطأ فيه عبيد، قال: عن منصور وإنما هو: عن حماد، والصحيح حديث الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة.
وأخرجه إسحاق (1621) عن يحيى بن آدم، عن قيس، عن منصور، عن عمرو بن عبد الله، عن عمرو بن حرملة السلمي، عن عائشة، بنحوه.
وهذا إسناد ضعيف لضعف قيس وهو ابن الربيع، وعمرو بن عبد الله وشيخه لم نقف على ترجمتهما.
وقوله : " أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضب فلم يأكله ولم ينه عنه " ، له شاهد من حديث ابن عباس، سلف برقم (2299) ، وآخر من حديث خالد بن الوليد ، سلف برقم (16812) ، وإسنادهما صحيحان " انتهى .
وقد أشار البيهقي إلى الاختلاف في رواية الحديث بقوله : " تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مَوْصُولًا ، وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا "

فبان بهذا : أن قوله : ( لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ ) لا يصح ، لأن الحديث معلول بالانقطاع ؛ لأن الراجح في روايته : أنه من رواية إبراهيم النخعي عن عائشة ، وهو لم يسمع منها.

وعلى فرض القول بثبوت الحديث ، فهو محمول على استحباب إطعام المساكين والخدم ونحوهم مما يأكل الإنسان ، وأنه لا يطعمهم مما لا يأكل ، وهذا على وجه الاستحباب ، وهو من طيب النفس وكرمها .
وقد روى البيهقي هذا الحديث في سننه (19427) بلفظ : أُهْدِيَ لَنَا ضَبٌّ فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تُطْعِمُهُ السُّؤَّالَ؟ فَقَالَ: ( إِنَّا لَا نُطْعِمُهُمْ مِمَّا لَا نَأْكُلُ ) وقال :
" وَهُوَ -إِنْ ثَبَتَ - فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ، مِنَ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِهِ ، ثُمَّ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ مِمَّا لَا يَأْكُلُ ".
فيكون هذا على سبيل الاستحباب والكمال في الكرم أن المتصدق ينزل الفقير منزلة نفسه ، فيطعمه من طعامه الذي يأكله .
ويشبه هذا : أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بأن يطعم عبده مما يأكل ، وذلك هو الأكمل والأحسن ولكنه غير واجب .

روى مسلم (1661) عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن العبيد : (هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ) .
قال النووي رحمه الله :
"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ إِخْوَانكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّه تَحْت أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ) الضَّمِير فِي ( هُمْ إِخْوَانكُمْ ) يَعُود إِلَى الْمَمَالِيك ، وَالْأَمْر بِإِطْعَامِهِمْ مِمَّا يَأْكُل السَّيِّد ، وَإِلْبَاسهمْ مِمَّا يَلْبَس مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب لَا عَلَى الْإِيجَاب ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ...
وَإِنَّمَا يَجِب عَلَى السَّيِّد نَفَقَة الْمَمْلُوك وَكِسْوَته بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الْبُلْدَان وَالْأَشْخَاص ، سَوَاء كَانَ مِنْ جِنْس نَفَقَة السَّيِّد وَلِبَاسه ، أَوْ دُونه ، أَوْ فَوْقه ، حَتَّى لَوْ قَتَّرَ السَّيِّد عَلَى نَفْسه تَقْتِيرًا خَارِجًا عَنْ عَادَة أَمْثَاله ، إِمَّا زُهْدًا ، وَإِمَّا شُحًّا ، لَا يَحِلّ لَهُ التَّقْتِير عَلَى الْمَمْلُوك ، وَإِلْزَامه وَمُوَافَقَته إِلَّا بِرِضَاهُ" انتهى .
ومن الأدلة ـ أيضا ـ على أن ذلك الأمر إنما هو من باب الندب والإرشاد ، وليس على سبيل الوجوب : ما رواه مسلم في صحيحه (2004) عن ابْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما ، قال : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ "
قال الملا علي القاري رحمه الله :
" (سَقَاهُ الْخَادِمَ) : لِكَوْنِهِ دُرْدِيًّا لَا لِكَوْنِهِ مُسْكِرًا (أَوْ أَمَرَ بِهِ) : أَيْ بِالْمَنْبُوذِ الْبَاقِي (فَصُبَّ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: كُبَّ لِمَخَافَةِ التَّغَيُّرِ، أَوْ إِذَا بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ. قَالَ الْمُظْهِرُ: إِنَّمَا لَمْ يَشْرَبْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ دُرْدِيًّا وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِسْكَارِ، فَإِذَا بَلَغَ صَبَّهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شُرْبِ الْمَنْبُوذِ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا، وَعَلَى جَوَازِ أَنْ يُطْعِمَ السَّيِّدُ مَمْلُوكَهُ طَعَامًا أَسْفَلَ وَيَطْعَمَ هُوَ طَعَامًا أَعْلَى" انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/2756) .

وأما قوله تعالى : ( وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) البقرة/ 267 .
فمعناه : " لَا تَقْصِدُوا الْمَالَ الْخَبِيثَ مُخَصِّصِينَ الْإِنْفَاقَ بِهِ، قَاصِرِينَ لَهُ عَلَيْهِ، وَالْحَالُ أَنَّكُمْ لَا تَأْخُذُونَهُ فِي مُعَامَلَاتِكُمْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، وهُوَ مِنْ أَغْمَضَ الرَّجُلُ فِي أَمْرِ كَذَا: إِذَا تَسَاهَلَ وَرَضِيَ بِبَعْضِ حَقِّهِ وَتَجَاوَزَ وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْهُ ".
انتهى من "فتح القدير" (1/ 332)
وروى الحاكم (1461) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التَّمْرِ: الْجُعْرُورِ، وَلَوْنِ الْحُبَيْقِ " قَالَ:
" وَكَانَ نَاسٌ يَتَيَمَّمُونَ شَرَّ ثِمَارِهِمْ ، فَيُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ فَنُهُوا عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التَّمْرِ، فَنَزَلَتْ: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وقال الحاكم : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ".

فنهى الله عباده المؤمنين عن قصد الرديء في الزكاة ، وتعمد إخراجها منه ، مع أن عنده من الطيب ما يمكن أن يخرجه .
قال ابن عطية رحمه الله :
" هذا الخطاب هو لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه صيغة أمر من الإنفاق، واختلف المتأولون هل المراد بهذا الإنفاق، الزكاة المفروضة أو التطوع ؟
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين: هي في الزكاة المفروضة ؛ نهى الناسَ عن إنفاق الرديء فيها بدل الجيد، وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بقليل ، فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر، ودرهم زائف خير من تمرة .
فالأمر على هذا القول للوجوب .
والظاهر من قول البراء بن عازب والحسن بن أبي الحسن وقتادة، أن الآية في التطوع .
وروى البراء بن عازب، وعطاء بن أبي رباح ما معناه : أن الأنصار كانوا أيام الجداد يعلقون أقناء التمر في حبل بين أسطوانتين في المسجد ، فيأكل من ذلك فقراء المهاجرين ، فعلق رجل حشفا ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بئسما علق هذا، فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد [ هو : ابن عطية ] : والأمر على هذا القول على الندب، وكذلك ندبوا إلى أن لا يتطوعوا إلا بجيد مختار .
والآية تعم الوجهين، لكن صاحب الزكاة يتلقاها على الوجوب ، وصاحب التطوع يتلقاها على الندب .
وهؤلاء كلهم ، وجمهور المتأولين ، قالوا : معنى ( مِنْ طَيِّباتِ ) : من جيد ومختار ما كَسَبْتُمْ، وجعلوا الْخَبِيثَ بمعنى الرديء والرذالة .
وقال ابن زيد معناه: من حلال ما كسبتم، قال: وقوله: ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ) : أي الحرام.
قال القاضي أبو محمد: وقول ابن زيد ليس بالقوي من جهة نسق الآية لا من معناه في نفسه" انتهى من "تفسير ابن عطية" (1/361) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" فنهى سبحانه عن قصد إخراج الرديء كما هو عادة أكثر النفوس ، تمسك الجيد لها ، وتخرج الرديء للفقير، ونهيه سبحانه عن قصد ذلك وتيممه فيه ما يشبه العذر لمن فعل ذلك لا عن قصد وتيمم بل إما عن اتفاق، إذا كان هو الحاضر إذ ذاك أو كان ماله من جنسه، فإن هذا لم يتيمم الخبيث بل تيمم إخراج بعض ما منَّ الله عليه" انتهى من "طريق الهجرتين" (374) .

والحاصل :
أن النهي عن إخراج الخبيث الرديء في هذه الآية : إما أن يكون في الزكاة المفروضة ، يتعمد رديء المال ، ولا يخرج الزكاة من الطيب ، والواجب عليه أن يخرج زكاة المال من جنسه . وهو أظهر القولين في الآية .
أو يكون ذلك في صدقة النافلة ، لكن على وجه الندب ، أو يتقصد المرء ألا يخرج من ماله إلا الخبيث منه ، ويبخل بالطيب ، ويدخره لنفسه .

وقد سئل ابن عثيمين رحمه الله:
" ذكرت التصدق بالثوب الخلق، فهل يعارض قول الله عز وجل: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون)؟
فأجاب :
" لا يعارض؛ لأن الآية في الزكاة، لا يجوز للإنسان أن يقصد الرديء من ماله ويخرجه في الزكاة، وأما ما ليس واجباً عليه إخراجه فليخرج ما شاء، ولا شك أن التصدق بهذا خير من إتلافه " انتهى .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب