الحمد لله.
أولا:
يحرم الإيداع في البنوك الربوية، ولا يجوز الانتفاع بالفائدة المحرمة، بل يجب التخلص منها بإعطائها للفقراء والمساكين أو صرفها في مصالح المسلمين العامة.
وإذا افترضنا أن والدكم كان معذورا بفتوى من يبيح الإيداع في البنوك الربوية ،
وأنه يدين الله حقا بذلك ، ويعتقد أنه هو الصواب ؛ فهل أفتاه أحد بترك الزكاة ، ذلك
الزمان كله ؟
أم هي أهواء النفوس ، وشحها بالمال ، في جمعه ومنعه ؟!
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " توبة المرابي كيف تكون ؟ هل يخرج من جميع
ماله المحرم الذي اكتسبه ، أم ماذا يصنع؟ حيث إني قرأت لأهل العلم كلاماً مختلفاً:
منهم من قال: يتخلص مما في يده من المال المحرم إن كان عالماً بالحرمة، فإن لم يكن
فلا يخرج شيئاً، ومنهم من قال: له كل ما في يده قبل التوبة تسهيلاً له في التوبة،
ومنهم من قال: يتخلص من الربا كله؛ لأن الله يقول: (فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ)
[البقرة:279] فما هو الحكم الذي تؤيده الأدلة جزاك الله عنا خيراً، ويسر لإخواننا
طريق الخلاص من كل محرم؟
فأجاب: الذي يظهر لي: أنه إذا كان لا يعلم أن هذا حرام : فله كل ما أخذ ، وليس عليه
شيء. أو أنه اغتر بفتوى عالم : أنه ليس بحرام فلا يخرج شيئاً، وقد قال الله تعالى:
(فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ
إِلَى اللَّهِ ) [البقرة:275].
أما إذا كان عالماً ، فإنه يتخلص من الربا ، بالصدقة به ، تخلصاً منه، أو ببناء
مساجد أو إصلاح طرق أو ما أشبه ذلك. " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين "
(4/246).
على أية حال ، فقد أفضى والدكم إلى ما قدم ، وحسابه على ربه ، ليس على العباد منه شيء .
وأما ما يتعلق بكم أنتم ، فقد انتقل المال إليكم بالميراث الشرعي ، وإن كان يحرم
منه شيء بالعقد الربوي الفاسد ، فإنما يحرم ذلك على والدكم ، لأنه هو الذي اكتسب
الكسب الفاسد ، وليس عليكم من إثمه شيء ، وليس عليكم ـ أيضا ـ التخلص من هذا المال
، ولا من فوائده التي اكتسبها والدكم في حياته .
وإن كان لا يحل لكم شيء مما دخل فيه من الفوائد الربوية ، منذ دخل المال في ملككم
بالميراث ، وتمكنتم من قبضه ؛ لأن المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط ، دون من انتقل
إليه بوجه مباح كالإرث.
قال العلامة محمد عليش المالكي رحمه الله : " واختلف في المال المكتسب من حرام ،
كربا ومعاملة فاسدة، إذا مات مكتسبه عنه : فهل يحل للوارث ؟ وهو المعتمد ، أم لا؟
وأما عين الحرام المعلوم مستحقه ، كالمسروق والمغصوب: فلا يحل له " .
انتهى من " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/ 416).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل
يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه ، فهل يكون ذلك من العقوق؟
فأجاب: "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام : إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه
يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص ، فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه
الشاة وذبحها ، فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته .
أما إذا كان الحرام من كسبه ، يعني: أنه هو يرابي ، أو يعامل بالغش ، أو ما يشابه
ذلك ؛ فكل، والإثم عليه هو.
ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود ، وهم معروفون
بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ، ليموت، ولكن الله
عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى. ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي: دهن متغير
الرائحة) فأجابه وأكل، واشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله، فليأكل والإثم
على والده ".
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188/ 13).
ويدخل في هذا المال ما نتج عن شهادة الاستثمار، فإنه يدخل في تركته التي تأخذونها
عنه ، ولا يلزمكم التخلص منه .
ثانيا:
يلزمكم إخراج الزكاة عن والدكم عن السنوات الماضية، وتعملون في ذلك بالاجتهاد وغلبة
الظن، بأن يقال: إن المال كان في السنة الأولى كذا ، بحسب ما يغلب على الظن ،
فتخرجون منه ربع العشر، ثم إنه كان في العام الذي يليه، فتخرجون ربع العشر، وهكذا.
ثالثا:
المال الذي وجد في المنزل ، ولا يعلم مدة وجوده ، وهل حال عليه الحول أم لا ؟
الأصل عدم زكاته حتى يُعلم أنه قد حال عليه الحول، وإن رضي الورثة بإخراج الزكاة
عنه احتياطا، وكانوا راشدين بالغين، فهذا حسن.
والله أعلم.
تعليق