الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم الهجرة من بلد غير إسلامي آمن إلى بلد إسلامي غير آمن

258853

تاريخ النشر : 23-08-2017

المشاهدات : 26919

السؤال

نحن نعيش في الولايات المتحدة الأمريكي، وعندنا أطفال، في الفترة الأخيرة أصبح علينا اتخاذ القرار بشأن البقاء هنا أو الرجوع لبلدنا بنجلادش ، أو الانتقال إلى بلد آخر ، أنا أُريد البقاء هنا ، أو أي دولة جيدة تسمح لنا ولأطفالي تطبيق الإسلام بأمان ، أُريد أن أضعهم في مدارس إسلامية ومدارس التحفيظ ، ولكن زوجي يريد العودة إلى بلدنا الأصل بنجلادش ، وأنا لا أريد هذا أبداً ، سألته لماذا يُريد العودة إليها ؟ فقال : فقط لأنها مألوفة لديه ، هو لم يُفكّر في الوضع الراهن لبنجلادش ، بعض المدارس الإسلامية فيها تُغلَقُ من قِبَلِ الحكومة ، وهؤلاء المطبقين للإسلام يُعذبون ، أو يُعدمون بطريقة ما، وقد أصبح الناس يخافون من تطبيق الإسلام علناً، أعني أنهم لا يريدون الذهاب إلى حلقات العلم ، ولا يريدون وضع أطفالهم في المدارس الإسلامية ، بالإضافة إلى انعدام الأمان هناك ، وارتفاع نسبة الاغتصاب والقتل ، ليس هناك استقرار سياسيّ ، ولا استقرار مهني وكل القطاعات مليئة بالفساد ، زحام شديد ... إلخ ، أصحاب الدرجات العالية ممن يتسمون بالسمات الإسلامية لا يسمح لهم متابعة الدراسة في التخصصات المرموقة ، وبجانب كل هذا أُسرتي وأُسرته ليسوا ملتزمين بالدين على نحو صحيح ، فهم يحتفلون بأعياد الميلاد ، وأعياد الزواج السنوية ، ويستمعون للموسيقى ، ويضعون الكثير من المجسمات/الأصنام على شكل عصافير وما شابهها في بيوتهم ، كبيت أهل زوجي ، ما الذي علينا فعله ؟ وبم تنصحوننا ؟

الجواب

الحمد لله.


قال تعالى : ( يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) العنكبوت/56
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره ( 6/290 ) :

"هذا أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم" اهـ

ومما لاشك فيه أن أول وأولى ما ينبغي أن تتجه إليه أنظار المسلمين في هذه الحالة : هو الهجرة إلى بلاد المسلمين ، لما في بلاد غير المسلمين من المفاسد التي لا تخفى ، لاسيما على الأبناء ومعتقدهم وسلوكهم .


ومع ذلك ، فالحاصل من كلام أهل العلم : أن الهجرة من بلاد غير المسلمين في حال القدرة على إظهار الدين فيها : إنما هي مستحبة فقط ، ولا تجب عليهم .


قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/236 ) مبينا أصناف الناس في حكم الهجرة :
" فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب :
أحدها: من تجب عليه ، وهو من يقدر عليها ، ولا يمكنه إظهار دينه ، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار ، فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب . ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه ، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

الثاني: من لا هجرة عليه . وهو من يعجز عنها ، إما لمرض ، أو إكراه على الإقامة ، أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم ، فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) .

ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها .

والثالث : من تستحب له ، ولا تجب عليه . وهو من يقدر عليها ، لكنه يتمكن من إظهار دينه ، وإقامته في دار الكفر ، فتستحب له ، ليتمكن من جهادهم ، وتكثير المسلمين ، ومعونتهم ، ويتخلص من تكثير الكفار ، ومخالطتهم ، ورؤية المنكر بينهم . ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة . وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة مع إسلامه ". اهـ
فمن أصابه الأذى في بلده ، ولم يستطع أن يظهر دينه فيها ، وتعذرت عليه الهجرة إلى دولة إسلامية ، وتيسرت له الهجرة إلى دولة غير إسلامية كأمريكا وغيرها يكون فيها المسلم آمنا على نفسه مظهرا لدينه : فلا حرج عليه في ذلك .

والذي يظهر من حالكم : أنه لا يجب عليكم الهجرة إلى بلادكم ، لما ذكرته من التضييق فيها على من يلتزمون بالإسلام .

غير أننا ننصح بالهجرة إلى دولة إسلامية أخرى ، إن تيسر لكم ذلك . أو البقاء في أمريكا ، إن تعذر ذلك .

ولكن بشرطين أساسيين ذكرهما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بقوله :
" الشرط الأول: أمن المقيم على دينه ، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان، قال الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ الآية. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ .

وثبت في الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( أن من أحب قوما فهو منهم، وأن المرء مع من أحب ) .

ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم؛ لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم، ولذلك قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من أحب قوما فهو منهم).

الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات ، إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة . ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين .

فإن كان لا يتمكن من ذلك : لم تجز الإقامة ، لوجوب الهجرة حينئذ ..انتهى، من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (3/25-26) .

والله أعلم
  

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب