الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

تسأل عن الحد على من سمحت بجميع مقدمات الزنا سوى الإيلاج ، فحصل دون رضاها وعلمها ؟!

259779

تاريخ النشر : 01-10-2017

المشاهدات : 44053

السؤال

ماذا لو كان شاب وشابة (وبينهما علاقة) بمفردهما في إحدى الغرف، وقام الشاب فأولج فيها دون رضاها وعلمها، فهل تقع عقوبة الحد عليهما الاثنين؟ علماً أن الفتاة تسمح بأي شيء من الأفعال إلا الإيلاج.. فهل عليها حد؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

مقدمات الزنا من اللمس والتقبيل والمباشرة من غير إيلاج ، لا تأخذ حكم الزنا ، ولا يحد فاعلها حد الزنا ، ولكنه يعزر ويؤدب ؛ لارتكابه حراما ومنكرا بينا ، ولما تفضي إليه هذه الأعمال ، عادة ، من الوقوع في الزنا الحقيقي ، لا سيما مع الخلوة ، والتمكن من ذلك ؛ وما حصل في قصة السؤال : دليل ذلك ، وهو متكرر الوقوع .

وقد سمى الشرع هذه الأعمال زنا ، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ ) .

قَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله : " سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا : لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ , وَلِذَلِكَ قَالَ ( وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ وَيُكَذِّبهُ ) " انتهى نقلا عن "فتح الباري" (11/26) .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (27259).

ثانيا :

أما ثبوت الحد على من ادعت أنها كانت قد سمحت بكل شيء إلا الزنا ، وأن الزنا تم بدون رضاها ولا علمها .

فليعلم أنه لإقامة الحد من ثبوت الزنا عند القاضي الشرعي ، بإحدى طرق الإثبات الثلاثة ، وهي : الإقرار ، أو شهادة أربعة رجال ، أو حمل المرأة وهي لا زوج لها .

فقد يحصل الزنا ولكنه لا يثبت عند القاضي ، أو يثبت على وجه لا يوجب الحد فلا يقام الحد حينئذ .

أما الإقرار :

فإذا أقرت المرأة على نفسها بالزنا ، وادعت أنها أنها كانت مكرهة (غير راضية) فإنه لا حد عليها ، لأن المرأة إنما أقرت إقرارا يرفع عنها الحد ولا يثبته ؛ خاصة عند وجود القرينة على صدقها في دعواها .

وينظر : المغني (12/347) .

وأما الشهود :

فإذا شهد أربعة رجال على المرأة بأنها زنت : ثبت عليها الحد .

فإن اختلفوا ، فقال بعضهم : كانت راضية ، وقال آخرون : كانت مكرهة ، فلا حد عليها .

فإن اتفقوا على أنها كانت راضية ، ولم يظهر منها ما يدل على إكراهها ، فادعت هي أنها كانت مكرهة وغير راضية ، فلا يقبل قولها ، ويقام عليها الحد ، لأن شهادة الشهود أقوى من إنكارها .

وأما الحمل :

فإذا حملت امرأة لا زوج لها ، فإنه يقام عليها الحد بذلك ، إلا أن تدعي شيئا يسقط الحد ، كما لو ادعت أنها كانت مكرهة ، فتقبل دعواها ، ولا يقام عليها الحد .

وهذا القول رواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .

قال المرداوي في "الإنصاف" (25/342) :

"وعنه [أي : الإمام أحمد] : تحد إذا لم تدع شبهة . اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ، وهو ظاهر قصة عمر رضي الله عنه" انتهى .

وقصة عمر الذي اشار إليها المرداوي رواها البيهقي وابن أبي شيبة :

(رُفِعَتْ امرأة إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ ، وَقَدْ حَمَلَتْ ، فَسَأَلَهَا عُمَرُ ، فَقَالَتْ : إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ ، وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ ، فَمَا اسْتَيْقَظْت حَتَّى فَرَغَ . فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ) وصححه الألباني في إرواء الغليل (2362) . .

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "شرح بلوغ المرام" (5/350، 351) :

... الطريق الثاني لثبوت الزنا : الحمل .. فإن ادعت شبهة وقالت : إن هذا الحمل من زنا ، ولكنني مكرهة ، فإنه لا يقام عليها الحد لاحتمال صدقها " انتهى .

هذا بالنسبة لثبوت الحد وإقامته .

ولكن هناك أمر آخر أهم من هذا ، وهو شناعة هذه الفاحشة ، أي : الزنا ؛ وقبحها في الشرع والفطر السليمة ، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة ، مع ما أعد الله لفاعلها من العذاب والنكال الشديد في الآخرة .

ثم قبح ما تقدم عليه امرأة تسمح بـ"جميع مقدمات الزنا" ؛ فتسمح بانتهاك عرضها وحرمتها ، وكشف سوأتها ، وتسمح للفاجر أن ينال منها ، ما ينال بالحرام ، حتى كانت الطامة الكبرى ، والداهية الدهياء !!

وليعلم أن عدم إقامة الحد : لا يخفف من شناعة الجرم شيئا ، بل ربما كانت إقامة الحد رحمة بصاحبه ، وتخفيفا عنه ، وكفارة لذنبه .

والواجب على هذه الفتاة : هو التوبة من هذا الذنب ، وتلك القبائح التي ألمت بها . فتندم على ما فعلت ، وتعزم على عدم العودة لمثل ذلك أبدا ، وتجتهد ما استطاعت في الأعمال الصالحة ، عسى الله تعالى أن يغفر لها ، قال الله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة