الحمد لله.
أولا:
قد بين الله تعالى نصيب النساء من الميراث سواء كن بنات أو أخوات أو أمهات أو زوجات، وتوعد من خالفه في ذلك وعصاه، فقال سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) إلى قوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/11- 13
فحرمان البنت من الميراث : منكر عظيم، وظلم بين، وأكل للمال بالباطل، وهو من العادات الجاهلية الذميمة، وعيب القبيلة لذلك ، وتعارفهم على منع البنت ميراثها ، أو ذم من يطلب به : هو عادات جاهلية ، وسلوم طاغوتية ، مضادة للشريعة المحمدية الربانية .
قال الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65
وقال تعالى : ( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) النور/47-52
وفاعل ذلك ، وآكل حق ذي الحق : معرّض نفسه لهذا الوعيد ولغيره مما جاء في النصوص .
روى البخاري (2449) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) .
وروى البخاري (3198) ومسلم (1610) واللفظ له عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ).
وروى أحمد عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ ثُمَّ يُطَوَّقَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 240
فينبغي نصح هؤلاء الإخوة بإعطاء إختهم نصيبها، ولها أن تطالبهم بذلك ، ولو برفع الأمر للقضاء.
ثانيا:
لا حرج على المرأة لو تنازلت عن ميراثها أو بعضه ما دامت طائعة مختارة عاقلة رشيدة، ولا يلزمها استئذان زوجها في ذلك؛ لأن لها ذمة مالية مستقلة، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم.
وذهب الإمام مالك ، والإمام أحمد في رواية : إلى أن المرأة ليس لها التبرع بما زاد على الثلث من مالها، إلا بإذن زوجها، واحتجوا في ذلك بأحاديث ضعيفة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وظاهر كلام الخرقي، أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله، بالتبرع، والمعاوضة. وهذا إحدى الروايتين عن أحمد. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر.
وعن أحمد رواية أخرى : ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض، إلا بإذن زوجها. وبه قال مالك...؛ لما روي أن امرأة كعب بن مالك أتت النبي صلى الله عليه وسلم بحلي لها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجوز للمرأة عطية حتى يأذن زوجها، فهل استأذنت كعبا؟ فقالت: نعم. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب، فقال: هل أذن لها أن تتصدق بحليها؟ . قال: نعم. فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه. وروي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة خطبها: لا يجوز لامرأة عطية من مالها إلا بإذن زوجها؛ إذ هو مالك عصمتها رواه أبو داود بلفظه، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها، ولأن حق الزوج معلق بمالها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها ". والعادة أن الزوج يزيد في مهرها من أجل مالها، ويتبسط فيه، وينتفع به...
ولنا، قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم [النساء: 6] . وهو ظاهر في فك الحجر عنهم، وإطلاقهم في التصرف، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر النساء تصدقن، ولو من حليكن وأنهن تصدقن ، فقبل صدقتهن ، ولم يسأل ، ولم يستفصل.
وأتته زينب امرأة عبد الله ، وامرأة أخرى اسمها زينب ، فسألته عن الصدقة، هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن، وأيتام لهن؟ فقال: (نعم) ، ولم يذكر لهن هذا الشرط .
ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشد، جاز له التصرف فيه من غير إذن ، كالغلام .
ولأن المرأة من أهل التصرف، ولا حق لزوجها في مالها، فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه، كأختها.
وحديثهم : ضعيف، وشعيب لم يدرك عبد الله بن عمرو، فهو مرسل.
وعلى أنه محمول على أنه لا يجوز عطيتها لماله ، بغير إذنه .
بدليل : أنه يجوز عطيتها ما دون الثلث من مالها، وليس معهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث، فالتحديد بذلك تحكم ليس فيه توقيف، ولا عليه دليل" انتهى من المغني (4/ 348).
ومنه يُعْلم : أن الزوجة لا تأثم بعدم المطالبة بميراثها، وأن لها أن تتنازل عنه ، طواعية، أو أن تدع الأمر حتى يطالب به ورثتها من بعدها .
مع ما تقدم من إثم من منعها من أخذها حقها، وكذا لو ألجاها لعدم المطالبة بتعنيفها ، أو توبيخها ، أو استحيائها ؛ فحيث لم تطب نفسها بترك التقسيم، وترك أخذ حقها : فقد أثم من منعها ، وأكل حراما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "الإرواء" (5/ 279).
والله أعلم.
تعليق