الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ما حقيقة "أحمد البدوي"؟

261954

تاريخ النشر : 02-06-2023

المشاهدات : 48042

السؤال

بحثت في الكثير من المراجع عن حقيقة أحمد البدوي أحد رموز المتصوفة فلم أجد في أي منها الجواب الكافي والشرح الوافي عن هذا الشخص، والمعلوم أن الكثير من البدع والخرافات المنتشرة في المجتمعات الإسلامية تنسب إليه، فهلا أوجزتم لي حياة وحقيقة هذا الرجل، وحبذا لو ذكرتم بعض المراجع التي من الممكن أن يستفاد منها.

الجواب

الحمد لله.

أحمد البدوي صاحب القبر المشهور بمدينة طنطا بمصر يعتقد فيه كثير من الناس الولاية، وبعضهم يتوجه إليه بالعبادة ويعتقد فيه أنه يملك النفع والضر.

ولكن .. هذا الشخص إذا طبقت على تاريخه القواعد العلمية فإنه يكون مجهولا، لا تعلم سيرته وأحواله .

فلم يترجم له إلا من جاء بعد زمنه بعصور، وهؤلاء المتأخرون يتفقون على أنه عاش في القرن السابع، فهم يقولون أنه ولد سنة 596 هـ بفاس من بلاد المغرب، وهاجر به أبوه إلى مكة، فنشأ بها، إلى أن رحل إلى العراق ثم هاجر إلى طنطا بمصر فاستقر بها، وفيها اشتهر حاله وقصده الناس والأعيان بالزيارة والطلب إلى أن توفي سنة 675 هـ. كما نص على هذا السيوطي في كتابه "حسن المحاضرة" (1/ 521 - 522).

فإذا كان هذا صحيحا، فلماذا لم يرد ذكره بالعلم والإمامة والصلاح عند أهل العلم المعتبرين من أصحاب القرن السابع والثامن الهجري، ومصر كانت تعج بالعلماء المقيمين والعابرين، فلماذا أهملوا ذكره إن كان بهذا القدر من الإمامة التي يعتقدها فيه أتباعه، رغم أنهم ترجموا لكل مشهور معروف بالصلاح وغيره؟!

فالأمر كما قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى:

" نريد أن نسأل المؤرخين العارفين عن تاريخ "السيد أحمد ‌البدوي" الذي يقول بعضهم بوجوده وينكره بعضهم، وأعني بهذا أنه هل وجد شخص حقيقي بهذا الاسم هو المدفون في طنطا والذي نسب إليه المسجد؟

لأن الذين كتبوا في ترجمة حياته إنما هم المتأخرون ويزعمون أنه توفي في منتصف القرن السابع الهجري -أي بين سنتي 600 و 650 هجرية -لأني لم أجد من ذكره من المؤرخين السابقين الذين يوثق بنقلهم إلا جلال الدين السيوطي الحافظ -رحمه الله- وهو من رجال أواخر القرن الثامن لأنه مات سنة 911 هجرية، وبين التاريخين بون شاسع، ولم يذكر السيوطي عمن تلقى خبر تاريخه. والقاعدة الصحيحة عند علماء النقل وزعمائه -وهم حفاظ الحديث- أن المرسل لا تقوم به الحجة وهو ما يرويه شخص عمن لم يدركه ولم يتلق عنه مباشرة لما فيه من جهالة الواسطة فلعله غير ثقة. وهذا أمر معروف.

ولعل من يجيبنا عن هذا السؤال يذكر من أين نقل والكتاب الذي نقل منه، على أنا لا نريد إلا التحقق من هذا الأمر. ونسأل الله العون والتوفيق " انتهى من "حكم الجاهلية" (ص 166).

وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى:

" وأحمد البدوي مترجم في: الأعلام: 1/ 75 " وأن وفاته سنة (675 هـ) وذكر من أخباره وسيرته شيئا، وليس فيها مصدر لترجمته في القرن السابع، أو الثامن " انتهى من "المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد" (1 / 468).

ثم المفهوم من كلام من ترجم له من المتأخرين، أن هذا المسمى بأحمد البدوي كان غريبا وليس من أهل مصر وأسرها المعروفة، وأنه قدم وحيدا وعاش على سطح بيت، ومتلثما بلثامين لا يرى أحد وجهه.

كما قال السيوطي وهو متأخر جدا عن عصر أحمد البدوي، فقد توفي سنة (911 هـ):

" وعرف بالبدوي لملازمته اللثام. ولبس لثامين لا يفارقهما، وعرض على التزويج فأبى، لإقباله على العبادة... ثم صار إلى مصر سنة أربع وثلاثين، فأقام بطندتا من الغربية على سطح دار لا يفارقه، وإذا عرض له الحال يصيح صياحا متصلا ... " انتهى من "حسن المحاضرة" (1 / 522).

وورد في "الكواكب الدرية" للمناوي توفي سنة (1031 هـ):

" وكان إذا لبس ثوبا أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا غيره حتّى تبلى فتبدل... وكان لا يكشف اللّثام عن وجهه. فقال له عبد المجيد: أرني وجهك. قال: كلّ نظرة برجل. قال: أرنيه ولو متّ، فكشفه فمات حالا " انتهى من "الكواكب الدرية" (2/388).

فإذا كان هذا الحال فكيف أثبتوا شخصيته وهو غريب عنهم ولم يروا وجهه ولا مرة كما يزعمون؟!

وما يذكرون من حاله وكراماته، فهذه ليست حال أولياء الله تعالى من الصحابة ومن تبعهم ممن اتفقت الأمة على صلاحهم وإمامتهم في الدين.

كما يشير إلى هذا ما قاله المقريزي رحمه الله تعالى:

" أخبرنا شيخنا المقرئ النحوي شمس الدين محمد بن محمد الغماري رحمه الله، قال: أخبرنا شيخنا العلامة أثير الدين أبو حيّان النفزي رحمه الله، قال: ألزمني الأمير ناصر الدّين محمّد بن جنكل ابن البابا بالمسير معه بالزيارة للشيخ المعتَقد أحمد البدوي بناحية طنتدى، فوافيناه يوم الجمعة فإذا به رجل طوال عليه ثوب جوخ عال وعمامة صوف رفيع، والنّاس تأتيه أفواجا، فمنهم من يقول: يا سيّدي خاطرك مع غنمي، ومنهم من يقول: خاطرك مع بقري، ومنهم من يقول: زرعي، إلى أن حان وقت صّلاة الجمعة، فنزلنا معه إلى الجامع بطنتدى وجلسنا في انتظار الصلاة، فلمّا فرغ الخطيب من خطبة الجمعة وأقيمت الصّلاة وقمنا لأداء الصلاة، وضع الشّيخ أحمد البدوي رأسه في طوقه بعدما قام قائما وكشف عن عورته بحضرة النّاس وبال على ثيابه وعلى حصر المسجد واستمرّ ورأسه في طوق ثوبه وهو جَالس حتى انقضت الصّلاة ولم يصل " انتهى من "درر العقود" (3 / 77).

ومن كانت هذه حاله فيقال عنه - على أحسن المحامل - : إنه رجل مبتلى ومرفوع عنه القلم، وهذه ليست صفة ولاية.

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" و‌‌رفع القلم لا يوجب حمدا ولا مدحا ولا ثوابا ، ولا يحصل لصاحبه بسبب زوال عقله موهبة من مواهب أولياء الله، ولا كرامة من كرامات الصالحين، بل قد رفع القلم عنه كما قد يرفع القلم عن النائم والمغمى عليه والميت، ولا مدح في ذلك ولا ذم، بل النائم أحسن حالا من هؤلاء؛ ولهذا كان الأنبياء عليهم السلام ينامون وليس فيهم مجنون ولا موله، والنبي صلى الله عليه وسلم يجوز عليه النوم والإغماء، ولا يجوز عليه الجنون ، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وقد أغمي عليه في مرضه.

وأما "الجنون" فقد نزه الله أنبياءه عنه؛ فإنه من أعظم نقائص الإنسان؛ إذ كمال الإنسان بالعقل ، ولهذا حرم الله إزالة العقل بكل طريق ، وحرم ما يكون ذريعة إلى إزالة العقل كشرب الخمر؛ فحرم القطرة منها وإن لم تزل العقل؛ لأنها ذريعة إلى شرب الكثير الذي يزيل العقل فكيف يكون مع هذا زوال العقل سببا أو شرطا أو مقربا إلى ولاية الله كما يظنه كثير من أهل الضلال؟! " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10 / 444).

وهذا الخبر الذي نقله المقريزي يشكك فيما يتناقله المتأخرون من أخبار أحمد البدوي، فأبو حيان إنما ولد سنة 654 هـ، ببلاد الأندلس ونشأ بها وطلب بها العلم ولم يهاجر ويدخل إلى مصر إلا على كبر، فما يذكرونه من وفاة البدوي سنة 675 هـ محل شك، وهذا كله يزيد في غموض حاله، وخفاء حقيقته.

فالحاصل؛ أنه في عداد المجهولين، ولم ينص على إمامته وولايته أحد من أهل العلم الذين عاصروا زمنه وعرفوا حاله.

وأما قول المتأخرين فهو ليس بدليل، بل كلامهم نفسه يحتاج إلى دليل على صحته.

وقد كتبت عنه عدة كتب في هذا العصر من أشهرها؛ كتاب الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، وسماه: "السيد البدوي، شيخ وطريقة".

وكتاب "السيد البدوي دراسة نقدية" للدكتور عبد الله صابر.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب