الحمد لله.
أولا:
فإن العين حق ، وقد جاءت السنة بأمر مَنْ يُشَكُّ في صدور العين منه أن يتطهر ، ثم يصب الماء المتساقط من طهارته على المصاب بالعين :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ) رواه مسلم ( 2188 ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : " كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ " رواه أبو داود (3880) ، وصحح إسناده الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (6 / 61) .
وأخرج الإمام أحمد ( 15550 ) ، ومالك ( 1811 ) ، والنسائي ، وابن حبان ، وصححه الألباني في "المشكاة" ( 4562 ) عن سهل بن حنيف : " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار ( اسم موضع ) من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة ، فلبط سهل ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل : يا رسول الله ، هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه ، قال : (هل تتهمون فيه من أحد ؟) قالوا : نظر إليه عامر بن ربيعة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه ، وقال : ( علام يقتل أحدكم أخاه ، هلا إذا رأيت ما يعجبك برَّكت )، ثم قال له : ( اغتسل له) ، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخِلة إزاره في قدح ، ثم صب ذلك الماء عليه ، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ، ثم يكفأ القدح وراءه ، ففعل به ذلك ، فراح سهلٌ مع الناس ليس به بأسٌ " .
( جلد مخبأة ) أي : جلد عذارء
( لبط ) أي : صُرع وسقط
( داخلة إزاره ) أي : الجزء الملامس للبدن من الإزار
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء :
" وإذا عُلم أن إنسانا أصابه بعينه ، أو شك في إصابته بعين أحد ، فإنه يؤمر العائن أن يغتسل لأخيه ، فيحضر له إناء به ماء ، فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ، ويغسل وجهه في القدح ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ، ثم يغسل إزاره ، ثم يصب على رأس الذي تصيبه العين من خلفه صبةً واحدةً فيبرأ بإذن الله ".
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 1 / 186 ) .
ثانيا:
وبهذا يتبين أن على مَنْ أُمِرَ بالاغتسال من إخوته أن يبادر إلى ما فيه نفع أخيه ، ولا يعني ذلك أنه متصف بالحسد والحقد عياذا بالله ، فإن العين قد تكون من الرجل الصالح المحب ، فإذا صدرت ، بادر إلى رفع أثرها بالطريق الذي جاءت به السنة ، والأمر يسير ولله الحمد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وفي الحديث من الفوائد أيضا : أن العائن ، إذا عُرِفَ : يُقْضَى عليه بالاغتسال .
وأن الاغتسال من النُّشْرة النافعة .
وأن العين تكون مع الإعجاب، ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح ".
انتهى من "فتح الباري" لا بن حجر (10/205).
قال النووي رحمه الله :
" قال : وقد اختلف العلماء في العائن ، هل يُجبر على الوضوء للمَعين ، أم لا ؟
واحتج من أوجبه بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم هذه : ( وإذا استغسلتم فاغسلوا ) ، وبرواية الموطأ التي ذكرناها أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوضوء ، والأمر للوجوب .
قال المازري : والصحيح عندي الوجوب ، ويبعد الخلاف فيه إذا خُشي على المعين الهلاك ، وكان وضوء العائن مما جرت العادة بالبرء به ، أو كان الشرع أخبر به خبرا عاما ، ولم يكن زوال الهلاك إلا بوضوء العائن ؛ فإنه يصير من باب مَنْ تَعَيَّنَ عليه إحياء نفس مشرفة على الهلاك ، وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر ؛ فهذا أولى . وبهذا التقرير يرتفع الخلاف فيه ، هذا آخر كلام المازري ".
"شرح النووي على صحيح مسلم" (14/172) ، "المعلم بفوائد مسلم" للمازري (3/157-158).
ثالثا:
تخصيص طلبه الاغتسالَ من إخوته وولده لا حرج فيه ، وليس من البدعة ، بل لعله لما قام من القرينة على صدور العين منهم على سبيل الإعجاب أو غيره ، وبهذا فلا يحتاج إلى دليل خاص عليه .
رابعا:
أما عن طلب الراقي إحضار ماء الوضوء إليه فلا نعلم سبب ذلك ، والله أعلم بحاله ، فإن كان بقصد علاج المعين به : فهو مما سبق ذكره .
وحال الراقي ، واستقامته ، ولزومه للسنة : دليل على حمل فعله على السلامة .
فإن كان من أهل الشعوذة والبدع : فالواجب الحذر منه .
والله أعلم
تعليق