الاثنين 25 ذو الحجة 1445 - 1 يوليو 2024
العربية

يسأل عن تفسير بعض الآيات التي أشكلت عليه .

262450

تاريخ النشر : 10-06-2017

المشاهدات : 4546

السؤال

في قوله تعالى في سورة آل عمران: (و إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ...)الآية/81 ، ثم يقول في الآية /82 التي بعدها : (فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) ، (من تولى) ممن؟ هل هم من النبيين ؟ وهل يمكن سلب النبوة من نبي؟ وهل يمكن أن يصير نبيٌ فاسقاً؟ في سورة آل عمران أيضاً يقول الحق : (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل... )الآية/161. (من يغلل) ممن؟ هل يمكن لنبي أن يَغُلّ؟ وفي سورة النساء يقول الحق : ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته و يستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً . فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً)النساء/172،173 (من يستنكف )ممن؟ من المسيح والملائكة المُقَرَّبون؟ هل يُعرَض الإيمان بالله والعمل الصالح وعبادة الله على الملائكة المقربين فمنهم من قد يؤمن ومنهم من قد لا يؤمن؟ وفي سورة غافر كرر نفس المفهوم في آيتين متتاليتين فقال تعالى : (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون . ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون)غافر/79،80 فَ(لتركبوا منها)، (عليها تحملون) ، لماذا كرر نفس المفهوم في آيتين متتاليتين ؟ ومثلها صفة العزة بصيغة العزيز : كررت في آيتين متتاليتين في آخر سورة الحشر ، والمفروض أن الكلام عن نفس الإله ، قال تعالى (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس ... العزيز الجبار... سبحن الله عما يشركون . هو الله الخالق البارئ المصور... وهو العزيز الحكيم)الحشر23،24 ،أرجو الرد.

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

الأنبِياء والرُّسل لا شكَّ أنَّهم معصومون من الوقوع في الكُفْر والشِّرْك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ففي الجُملة كل ما يقدح في نبوَّتهم وتبليغهم عن الله فهُم متَّفقون على تنزيههم عنه" منهاج السنة النبوية (1/ 471).

وقد نقل الجرْجاني إجْماع الأمَّة على عِصْمة الأنبِياء من الكفر والشِّرْك قبل النبوَّة وبعدها، حيث قال: "وأمَّا الكفر فأجْمعت الأمَّة على عصمتهم منه قبل النبوَّة وبعدها، ولا خِلاف لأحدٍ منهم في ذلك" شرح المواقف (ص134) .

وقال الرَّازي: "وأجْمعتِ الأمَّة على أنَّ الأنبياء معصومون عن الكفْر والبدعة" عصمة الأنبياء (ص18)،

وانظر الجواب رقم (42216)، لتقف على حقيقة مسألة العصمة .

وعليه؛ فإن النبي لا يقع منه الكفر، ولا تسلب منه النبوة بعد أن وهبها الله له، والله أعلم .

ثانيا :

أما قوله تعالى: ( فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [آل عمران: 82]، فقد ذكر أهل التفسير أنها في أمم الرسل، ولم نجد من نص منهم على أنها في رسل الله تبارك وتعالى، وقد أجمع أهل الإسلام على عصمة الأنبياء من الوقوع في الكفر، وتكذيب الشرع .

ولتقرير هذا المعنى، قال الطبري: "  يعني بذلك جل ثناؤه: فمن أعرض عن الإيمان برسلي - الذين أرسلتهم بتصديق ما كان مع أنبيائي من الكتب والحكمة - وعن نصرتهم، فأدبر ولم يؤمن بذلك ، ولم ينصر، ونكث عهده وميثاقه بعد ذلك، يعني بعد العهد والميثاق الذي أخذه الله عليه =

= فأولئك هم الفاسقون: يعني بذلك : أن المتولِّين عن الإيمان بالرسل ، الذين وصف أمرهم ونصرتهم بعد العهد والميثاق اللذين أُخذا عليهم بذلك ؛ هم الفاسقون، يعني بذلك الخارجين من دين الله، وطاعة ربهم "، التفسير (5/ 546).

ومن الأدلة على ذلك : السياق بعدها، فقال سبحانه: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون).

وقال ابن عطية: " وحكم الله تعالى بالفسق على من تولى من الأمم بعد هذا الميثاق "، المحرر الوجيز: (1/ 466).

وانظر: التحرير والتنوير: (3/ 298)، وقال: " لا يجوز على الأنبياء التولي والفسق ولكن المقصود أممهم " .

ثالثًا:

أما قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [آل عمران: 161].

ففي هذا الآية الكريمة قراءتان:

الأولى: ( يَغُل )، بفتح الياء وضم الغين .

أي: لا يكون النبي خائنًا لأصحابه، فيستأثر دونهم بشيء من الفيء .

الثانية: ( يُغَل )، بضم الياء وفتح الغين.

أي: ينسب إلى الغلول .

وانظر: تفسير الطبري: (6/ 193 - 207)، الهداية، لمكي: (2/ 1164).  

قال ابن تيمية: " وقد قال تعالى: (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) [سورة آل عمران: 161] ، وفيه قراءتان: يغل ويغل، أي يُنسب إلى الغلول، بين سبحانه أنه ما لأحد أن ينسبه إلى الغلول، كما أنه ليس له أن يغل، فدل على أن النبي لا يكون غالا " منهاج السنة: (2/ 421).

وقال أبو حيان : " وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ أَنْ يَغُلَّ مِنْ غَلَّ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْغُلُولَ مَعْصِيَةٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ الْمَعَاصِي، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.

وَهَذَا النَّفْيُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَهَّمَ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: أَنْ يُغَلَّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.

فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ مِنْ غَلَّ. وَالْمَعْنَى: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُونَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، فَهِيَ نَهْيٌ لِلنَّاسِ عَنِ الْغُلُولِ فِي الْمَغَانِمِ، وَخُصَّ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا مَعَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ أشنع لما يحب مِنْ تَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ، كَالْمَعْصِيَةِ بِالْمَكَانِ الشَّرِيفِ، وَالْيَوْمِ الْمُعَظَّمِ.

وَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَغَلَّ رُبَاعِيًّا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُوجَدُ غَالًّا كَمَا تَقُولُ: أَحْمَدَ الرَّجُلُ وَجَدَ مَحْمُودًا. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: هُوَ مِنْ أَغَلَّ أَيْ نُسِبَ إِلَى الْغُلُولِ. وَقِيلَ لَهُ: غَلَلْتَ كَقَوْلِهِمْ: أَكْفَرَ الرَّجُلُ، نُسِبَ إِلَى الْكُفْرِ." انتهى، من "البحر المحيط" (3/412) .

وينظر : "التحرير والتنوير" (4/154-155) ، "تفسير البيضاوي" (2/46) .

وعلى كل ؛ فلم يقل أحد من المفسرين قط : إن في قوله تعالى : ( ومن يغلل يأتِ بما غل ) نسبة شيء من ذلك إلى أنبياء الله ، صلوات الله وسلامه عليهم ؛ بل في الآية وسياقها : تنزيه نبي الله خاصة ، وسائر أنبياء الله عامة عن أن يقع له شيء من ذلك ، أو ينسب إليه ، حاشاهم .

رابعًا:

وقوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا) [النساء: 172].

فقد برأ تعالى جهة المسيح عليه السلام من أقوالهم، وخلصه للذي يليق به فقال: (لن يستنكف المسيح أن يكون .. الآية) .

ثم أخبر تعالى عمن يخالف صفة المسيح عليه السلام ، وأدبه مع ربه ؛ فيستنكف ، أي يأنف عن عبادة الله ويستكبر، بأنه سيناله الحشر يوم القيامة والرد إلى الله.

يقول الطبري: " يعني جل ثناؤه بقوله: (لن يستنكف المسيح) [النساء: 172] لن يأنف ولن يستكبر المسيح (أن يكون عبدا لله) [النساء: 172] يعني: من أن يكون عبدا لله ...

قوله تعالى: (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا) [النساء: 172] يعني جل ثناؤه بذلك: ومن يَتَعَظَّمْ عن عبادة ربه , ويأنف من التذلل والخضوع له بالطاعة ، من الخلق كلهم, ويستكبر عن ذلك .

(فسيحشرهم إليه جميعا) [النساء: 172] يقول: " فسيبعثهم يوم القيامة جميعا , فيجمعهم لموعدهم عنده " التفسير: (7/ 807)، والمحرر الوجيز: (2/ 140).

خامسًا:

وأما قوله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ ) [غافر: 79-81] : فهذا امتنان من الله تعالى على عباده بتك النعم، الموجبة للشكر.

وفائدة الامتنان : تقريب نفوسهم من التوحيد ، لأن شأن أهل المروءة الاستحياء من المنعم.

وليس في الآية تكرار محض ، كما يتوهم السائل ؛ بل هي معان متجددة، وقد ذكر ذلك جماعة من علماء التفسير، فقالوا:

إن الركوب في صدر الآية، للركوب القريب، وفي آخر الآية: للبعيد .

قال ابن عطية: " وكرر الحمل عليها، وقد تقدم ذكر ركوبها ، لأن المعنى مختلف ، وفي الأمرين تغاير .

وذلك : أن الركوب هو المتعارف فيما قرب ، واستُعمل في القرى والمواطن ، نظير الأكل منها وسائر المنافع بها .

ثم خصص بعد ذلك السفر الأطول ، وحوائج الصدور مع البعد والنوى، وهذا هو الحمل الذي قرنه بشبيهه من أمر السفن"، "المحرر الوجيز" (4/ 571).

وقال الطاهر ابن عاشور فقال: " وأريد بالركوب هنا [ أي: في أول الآية ] الركوب للراحة من تعب الرجلين في الحاجة القريبة، بقرينة مقابلته بقوله: (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) " ...

" ثم خص من المنافع : الأسفارَ ؛ فإن اشتداد الحاجة إلى الأنعام فيها ، تجعل الانتفاع بركوبها للسفر في محل الاهتمام " ...

" وأنبأ فعل (لتبلغوا) أن الحاجة التي في الصدور : حاجة في مكان بعيد يطلبها صاحبها " ...، التحرير والتنوير: (24/ 214 - 217).

سادسًا:

أسماء الله تعالى كلها حسنى، والحُسْنُ في أسماء الله تعالى : يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر ، كمال فوق كمال.

ومن ذلك ما جاء في السؤال عن اسمه (العزيز) ، سبحانه ، في قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) [الحشر: 23].

فقد جاء في السياق الأول بعد اسم الله المهيمن، والذي يقتضي الإحاطة التامة لما حدث ويحدث، ناسب أن يأتي بعدها باسم العزيز، الدال على أن تلك الإحاطة نافذة، فاسم العزيز هنا " الذي صعب على طالبه إدراكه، مع افتقار كل شيء إليه في كل لحظة، الشديد في انتقامه الذي لا معجز له في إنفاذ حكمه " نظم الدرر" (19/ 472).

وأما وجه ارتباط العزة بالحكمة في آخر الآيات، " فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيرًا. فيكون كل منهما دالا على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة في العزيز، والحُكم والحِكمة في الحكيم.

والجمع بينهما دال على كمال آخر، وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظلما وجورًا وسوء فعل، كما قد يكون من أعزاء المخلوقين، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم ، فيظلم ويجور ويسئ التصرف. وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل، بخلاف حكم المخلوق وحكمته فإنهما يعتريهما الذل "، انظر: "القواعد المثلى" (7 - 8).

والذي ننصح به السائل : أن يعطي لكلام الله من قلبه ووقته وهمته ، نصيبا وحظا أوفر من ذلك ، فلا تجعل علمك بكتاب الله ، ونصيبه منك : البحث عن إشكال بدا لك ، أو شبهة ألقيت في سمعك وقلبك ، بل فرغ قلبك لكلام الله جل جلاله ، صن قلبك ونفسك عن الشبهات والأغاليط ، واجعل القلب والسمع خاليا : للأخذ عن الله ، والسماع منه ، والتلقي عنه . كما قال الله جل جلاله : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ق/37

واعتن بقراءة كتاب ميسر ، مختصر في تفسير كلام الله جل جلاله ، مثل : "المختصر في التفسير" الصادر عن مركز تفسير ، أو تفسير الشيخ السعدي ، ونحوهما ؛ فمن شأن ذلك أن يعينك على تدبره ، وفهمه ، وعدم الوقوع في مغاليط الكلام والأسئلة ، وأخطاء الفهم .

ثم ارتق بعد ذلك ، فتعلم من لغة العرب وأساليبها وبيانها ونحوها: ما يعينك على التعمق في الفهم، والازدياد من علم كتاب الله الحكيم .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة