الحمد لله.
دم السمك طاهر لا يجب غسله إذا أصاب الأرض أو الثوب ، وذلك لأن طهارة ميتة السمك تدل على طهارة دمه ، لأنه لو كان نجسا لأمر الله بذبح السمك حتى يخرج دمه ، كما أمر بذبح سائر الحيوانات .
وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد ، وأحد الوجهين للشافعية ، واختاره بعض المالكية ، كابن العربي.
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/61) :
"وَأَمَّا دَمُ السَّمَكِ : فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ نَجِسٌ ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ ، اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدِّمَاءِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ طَاهِرٌ ، لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى إبَاحَةِ تَنَاوُلِهِ مَعَ دَمِهِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أُبِيحَ " انتهى .
وقال المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/323) :
"دَمُ السَّمَكِ : وهو طاهرٌ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ ، ويؤكل " انتهى .
وينظر : شرح مختصر خليل للخرشي (1/93) ، المهذب (1/92) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة"(1/109) :
" والدم كله نجس ... إلا الدماء المأكولة ، كالكبد والطحال ، وما بقي على اللحم بعد السفح ، ودم السمك... إلخ" انتهى .
وقال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله :
"الدماء تنقسم إِلى ثلاثة أقسام:
الأول: نجس لا يُعْفَى عن شيء منه، وهو الدَّمُ الخارج من السَّبيلَين .
ودمُ محرَّمِ الأكل : إِذا كان مما له نَفْسٌ سائلة ، كدم الفأرة والحمار، ودمُ الميْتة من حيوان لا يحلُّ إِلا بالذَّكاة.
الثاني: نجس يُعْفَى عن يسيره، وهو دم الآدمي ، وكلِّ ما ميتته نجسة، ويُستثنى منه دَمُ الشَّهيد عليه، والمسك ووعاؤه، وما يبقى في الحيوان بعد خروج روحه بالذَّكاة الشَّرعيَّة؛ لأنَّه طاهر.
الثالث: طاهر، وهو أنواع:
1- السمك، لأن ميْتته طاهرة، وأصل تحريم الميتة من أجل احتقان الدَّمِ فيها، ولهذا إِذا أُنهِرَ الدَّمُ بالذَّبْح صارت حلالاً.
2- دم ما لا يسيل دمه؛ كدم البعوضة، والبقِّ، والذُّباب، ونحوها، فلو تلوَّث الثَّوب بشيء من ذلك فهو طاهر، لا يجب غَسْلُه ...
وربما يُستدَلُّ على ذلك ـ بأنَّ ميْتة هذا النوع من الحشَرات طاهرة ـ بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (إِذا وَقَع الذُّبابُ في شرابِ أحدكم، فلْيَغْمِسْهُ، ثم لينزِعْهُ، فإِن في أحد جناحَيه داء، وفي الآخر شفاء) .
ويلزم من غَمْسِه الموت إِذا كان الشَّراب حارًّا، أو دُهناً، ولو كانت ميْتته نجسة لتنجَّس بذلك الشَّراب، ولا سيَّما إِذا كان الإِناء صغيراً.
3- الدَّمُ الذي يبقى في المذكَّاة بعد تذكِيَتِها، كالدَّمِ الذي يكون في العُروق، والقلب، والطِّحال، والكَبِد، فهذا طاهر سواء كان قليلاً، أم كثيراً.
4- دَمُ الشَّهيد عليه طاهر، ولهذا لم يأمُر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، بغَسْل الشُّهداء من دمائهم، إِذ لو كان نجساً لأمر النبيُّ بغسله" انتهى من الشرح الممتع (1/439- 441) .
والله أعلم .
تعليق