الحمد لله.
أولا :
ليس من شك في أن الإصابة بهذا المرض ، وانتقال العدوى إلى طفل ، أو إنسان لم يقترف محرما ، ولا تسبب فيه ، هو من جملة الابتلاء الذي يصيب الإنسان في حياته الدنيا ، كما يبتلى الناس بسائر الأمراض والأوجاع ، والبلايا . وقد قال تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء/35 ، وقال تعالى : ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الأعراف/168
ومن شأن العبد المؤمن ، وكمال حاله في معاملته مع ربه : أن يكون شاكرا في الرخاء ، صابرا عند الضراء . كما جاء في حديث صُهَيْبٍ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) . رواه مسلم (2999) .
وهو منتفع بصبره وعدم تسخطه على مقادير الله بتكفير خطاياه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ، وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ مِنْ خَطَايَاهُ ) . رواه البخاري 5641 ومسلم (2573)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) . رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني .
ثانيا :
وفي حالة مرض الإيدز الذي انتقل إليه المرض من خلال أمه : فلا شك أن هذا ابتلاء من الله ، للأم ، ولابنها ، على السواء .
والأم مكلفة بالصبر على ما قدر الله عليها ، وابتلاها به ، والتوبة مما ألمت به ، وسبب لها ذلك ، إن كانت قد ألمت بشيء مما حرم الله .
والطفل مكلف كذلك بعد بلوغه بالصبر عليه ، كما أنه قد يصاب بغير ذلك من الأمراض والأسقام ، أو تحدث عليه من الحوادث ما هو مثل ذلك ، أو أشد منه .
ثالثا :
الواجب على المجتمع تجاه من ابتلي بهذا المرض أن يدعمه : دينيا، ونفسيا، واجتماعيا، وماديا.
فأما الدعم الديني : فيكون ببيان حقائق هذا الابتلاء ، وكيفية التعامل معه شرعا ، وإعانتهم على العمل بطاعة الله ، وسد جميع الذرائع النفسية أو الاجتماعية التي من الممكن أن تكون سببا في قنوطهم من رحمة الله ، أو أذيتهم من خلق الله .
ومن أعظم ما يجب اجتنابه ، والحذر منه ، الأذية لهم : تعييرهم ، أو إيذاؤهم بذنب قد تابوا منه ؛ فكيف إذا كان بأمر لا ذنب لهم فيه ؟!
روى الترمذي (2032) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ : (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) ، صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال في "تحفة الأحوذي" :
"(وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ) مِنْ التَّعْيِيرِ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالتَّعْيِيبُ عَلَى ذَنْبٍ سَبَقَ لَهُمْ مِنْ قَدِيمِ الْعَهْدِ , سَوَاءٌ عُلِمَ تَوْبَتُهُمْ مِنْهُ أَمْ لَا " انتهى .
وينظر : جواب السؤال رقم (145473) ورقم (199049).
وأما الدعم النفسي : فيكون بعمل فرق متخصصة من الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين لعمل جلسات العلاج المعرفي السلوكي cognitive behavioral therapy وجلسات العلاج النفسي الداعم supportive psychotherapy ، وذلك للتخلص من جميع الآثار النفسية السلبية لهذا المرض .
وأما الدعم الاجتماعي : فيكون بتوعية الناس بهذا المرض ، لاسيما في حالة انتقاله من الأم لابنها، وتوعيتهم كذلك بما يجب عليهم تجاه من ابتلي به ، والاجتهاد في إزالة النظرة الاجتماعية السلبية لهذا الابن بسبب ابتلاء لا يد له فيه .
وأما الدعم المادي: فيكون ببذل المال الكافي لتحصيل الأدوية التي تحد من نشاط هذا الفيروس ، وتحافظ على حياة حامله ، مع تأمين وظيفة تليق بمثله ، وتوفير تكاليف العلاج البدني ، والنفسي ، الملائم لحالته .
والحاصل :
أن دعم من ابتلي بهذا المرض ، والأخذ بيده ، وإعانته على أمور المعاش والمعاد : من مقاصد الشريعة وأخلاقها ؛ فقد ورد في الحديث أن امرأة بغيا دخلت الجنة في سقيا كلب ، وأخرى دخلت النار في حبس هرة ؛ فما ظنك بمن فعل ذلك مع آدمي ؟!!
وقد قال الله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/195
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) رواه مسلم (1955)
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى. رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) .
والله الموفق لما يحب ويرضى سبحانه .
والله أعلم .
تعليق