الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

في بيان قوله تعالى ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا )

264848

تاريخ النشر : 14-04-2018

المشاهدات : 25964

السؤال

ذكر ابن العربي في تفسير قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا )"إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة حتى لا تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم " ، هل استثناءه حتى وإن كان بيننا وبين من استنصرونا عليهم ميثاق ؟ وهل صحيح أن هذه اﻷحكام متعلقة بالمواريث فقط ، وليس لها علاقة بولاية النصرة والمحبة ؟ وما معنى ولاية المؤمن للمؤمن لغة وشرعا ؟ وما معنى" ولاية الله للمؤمن ، وولاية المؤمن للمؤمن " ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

المراد بالولاية في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال/72 = الميراث ، أو النصرة.

والمعنى أن المؤمن إذا لم يهاجر، فلا يرث، ولكنه إذا استنصر المسلمين وجب عليهم أن ينصروه ، إلا على قوم بينهم وبينهم ميثاق. ثم نسخ أمر الميراث، وثبت الإرث لكل قريب هاجر أو لم يهاجر.

وهذا بينه الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله وغيره.

قال رحمه الله: " المسألة الخامسة: أولئك بعضهم أولياء بعض [الأنفال: 72]: فيه قولان: أحدهما: في النصرة.

الثاني: في الميراث.

قال ابن عباس وغيره: جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار، دون ذوي الأرحام.

المسألة السادسة: قال والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا [الأنفال: 72] قيل: من النصرة ؛ لبعد دارهم.

وقيل: من الميراث؛ لانقطاع ولايتهم...

وأما قوله: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا [الأنفال: 72]: فإن ذلك عام في النصرة والميراث؛ فإن من كان مقيما بمكة على إيمانه : لم يكن ذلك معتدا له به، ولا مثابا عليه ؛ حتى يهاجر.

ثم نسخ الله ذلك بفتح مكة ، والميراث بالقرابة، سواء كان الوارث في دار الحرب ، أو في دار السلام؛ لسقوط اعتبار الهجرة بالسنة" انتهى من أحكام القرآن (2/ 439).

ثانيا:

أفادت الآية : أن من لم يهاجر ، إذا استنصر المسلمين ، وجبت عليهم نصرته ؛ إلا على قوم بينهم وبينهم ميثاق، فإنه لا يجوز لهم نقض العهد معهم ، لنصرة هذا الذي لم يهاجر.

واستثنى العلماء من ذلك الأسير، فإنه يجب نصرته ؛ حتى على من بيننا وبينهم ميثاق.

قال ابن العربي رحمه الله: " ثم نسخ الله ذلك بفتح مكة ، والميراث بالقرابة، سواء كان الوارث في دار الحرب أو في دار السلام؛ لسقوط اعتبار الهجرة بالسنة، إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين؛ فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة بالبدن ؛ بألا يبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم ، إن كان عددُنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم، حتى لا يبقى لأحد درهم . كذلك قال مالك وجميع العلماء.

فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق ، في تركهم إخوانهم في أسر العدو، وبأيديهم خزائن الأموال ، وفضول الأحوال ، والعدة والعدد، والقوة والجلد" انتهى من أحكام القرآن (2/ 440).

وقال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين) : يريد إن دعوا = هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب = عونكم ، بنفير أو مال لاستنقاذهم ، فأعينوهم، فذلك فرض عليكم ، فلا تخذلوهم.

إلا أن يستنصروكم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم، ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته.

ابن العربي: إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين ؛ فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة...

ونقل كلام ابن العربي السابق " انتهى من تفسير القرطبي (8/ 57).

فالأسير المسلم يجب استنقاذه من أيدي الكفار ما أمكن ذلك.

وفي الموسوعة الفقهية (4/ 214):

" استنقاذ أسرى المسلمين ومفاداتهم :

إذا وقع المسلم أسيرا : فهو حر على حاله ، وكان في ذمة المسلمين ، يلزمهم العمل على خلاصه ، ولو بتيسير سبل الفرار له ، والتفاوض من أجل إطلاق سراحه ، فإذا لم يطلقوا سراحه تربصوا لذلك .

وقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتحين الفرصة المناسبة لتخليص الأسرى .

روت كتب السيرة أن قريشا أسرت نفرا من المسلمين ،  فلما لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم حيلة لإنقاذهم ، كان يدعو الله لإنقاذهم دبر كل صلاة ، ولما أفلت أحدهم من الأسر ، وقدم المدينة ، سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن رفيقيه فقال : أنا لك بهما يا رسول الله ، فخرج إلى مكة فدخلها مستخفيا ، فلقي امرأة علم أنها تحمل الطعام لهما في الأسر ، فتبعها ، حتى استطاع تخليصهما ، وقدم بهما على الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة .

وقد استنقذ رسول الله كلا من سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما ، وقد أسرهما المشركون ، بأن فاوض عليهما ، وحبس اثنين منهم حتى يطلقوا سراحهما .

وكذلك فعل في استنقاذ عثمان وعشرة من المهاجرين رضي الله عنهم بعد صلح الحديبية .

وقد روى سعيد بإسناده أن رسول الله قال : إن على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسراهم . ويروى أن عمر بن الخطاب قال : لأن أستنقذ رجلا من المسلمين من أيدي الكفار أحب إلي من جزيرة العرب .

ويجب استنقاذ الأسرى بالمقاتلة ، ما دام ذلك ميسورا .
فإذا دخل المشركون دار الإسلام فأخذوا الأموال والذراري والنساء ، ثم علم بهم جماعة المسلمين، ولهم عليهم قوة : فالواجب عليهم أن يتبعوهم ما داموا في دار الإسلام ، فإن دخلوا بهم دار الحرب ، فالواجب على المسلمين أن يتبعوهم إذا غلب على رأيهم أنهم يقدرون على استنقاذهم ، فإن شق عليهم القتال لتخليصهم ، فتركوه : كانوا في سعة من ذلك ، فإنا نعلم أن في يد الكفار بعض أسارى المسلمين ، ولا يجب على كل واحد منا الخروج لقتالهم لاستنقاذ الأسرى .

والاستنقاذ ، إذا لم يتيسر عن طريق القتال : فإنه يصح أن يكون عن طريق الفداء بتبادل الأسرى ، على ما سبق بيان القول فيه ، كما يصح أن يكون بالمال أيضا ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكوا العاني .

لأن ما يخاف من تعذيب الأسير أعظم في الضرورة من بذل المال ، فجاز دفع أعظم الضررين بأخفهما .

والحنفية على وجوب ذلك في بيت المال ، فإن لم يكن فعلى جميع المسلمين أن يفتدوه .

ونقل أبو يوسف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " كل أسير كان في أيدي المشركين من المسلمين ففكاكه في بيت مال المسلمين " .

وهو  ما ذهب إليه المالكية ، كما نقله المواق عن ابن بشير ، من أنه يجب في بيت المال ، فإن تعذر فعلى عموم المسلمين .

والأسير كأحدهم ؛ فإن ضيع الإمام والمسلمون ذلك وجب على الأسير من ماله ، وهو ما رواه ابن رشد أيضا .

وفي المهذب : أنه وجه عند الشافعية .

والوجه الثاني عند الشافعية : أن بذل المال لفك أسرى المسلمين - إن خيف تعذيبهم - جائز عند الضرورة ، ويكون في مالهم" انتهى.

وفيها (32/ 73) : " اتفق الفقهاء على أن الأسير المسلم في أيدي الكفار يجب فداؤه ومما يفدى به المال ، ويكون عند الحنفية والمالكية والحنابلة من بيت مال المسلمين ، وإلا فمن مال المسلمين على قدر وسعهم ، والأسير كأحدهم ، وهو فرض على الكفاية . وقال الشافعية يجب المال الذي يفدى به الأسير على الأسير إن كان له مال ، وإلا وجب في بيت مال المسلمين إن كان يعذب ، وإلا ندب" انتهى.

ثالثا:

ولاية المؤمن للمؤمن معناها المحبة والنصرة، وولاية الله للمؤمن، معناها كذلك، إضافة إلى الهداية والتوفيق.

قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) البقرة/257

قال ابن الجوزي رحمه الله: " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا، أي: متولي أمورهم، يهديهم، وينصرهم، ويعينهم" انتهى من زاد المسير (1/ 232).

وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/71

قال السعدي رحمه الله: " بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ في المحبة والموالاة، والانتماء والنصرة" انتهى من تفسير السعدي، ص343

وقال الدكتور محمد سعيد القحطاني: " الولاية هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهراً" انتهى من "الولاء والبراء في الإسلام" ص90

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب