السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

حول صحة ما نسب لإبراهيم الخليل أنه كان يبيع الأصنام وينادي :" من يشتري ما يضره ولا ينفعه ".

265699

تاريخ النشر : 15-05-2017

المشاهدات : 12978

السؤال

سمعت من يقول أن إبراهيم عليه السلام كان يبيع الأصنام وينادي من يشتري شيئا يضره ولا ينفعه، فهل هذا صحيح؟

الجواب

الحمد لله.

ما جاء في سؤال الأخ الكريم من أن إبراهيم الخليل عليه السلام كان يبيع الأصنام وينادي " من يشتري ما يضره ولا ينفعه " :

قد ورد عن بعض الصحابة موقوفا عليهم من قولهم ، بإسناد ضعيف جدا لا يثبت .

وورد كذلك عن بعض التابعين وتابعيهم ، من قولهم ؛ لم ينسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أنهم تلقوه عن أصحاب النبي رضوان الله عليهم . وبيان ذلك كالتالي :

أولا : ما روي عن الصحابة موقوفا عليهم :

أخرجه ابن جرير الطبري في "تاريخه" (1/236) فقال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال: حدثنا أسباط ، عن السدي ، في خبر ذكره عن أَبِي صَالِحٍ ، وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كان من شأن إبراهيم أَنَّهُ طَلَعَ كَوْكَبٌ عَلَى نُمْرُودَ ، فَذَهَبَ بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، فَفَزِعَ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا ، فَدَعَا السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ وَالْقَافَّةَ وَالْحَازَّةَ ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ ، فَقَالُوا: يَخْرُجُ مِنْ مُلْكِكَ رَجُلٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِهِ هَلاكُكَ وَهَلاكُ مُلْكِكَ- وَكَانَ مَسْكَنُهُ بِبَابِلَ الْكُوفَةَ- فَخَرَجَ مِنْ قَرْيَتِهِ إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فأخرج الرجال وترك النساء، وأمر ألا يُولَدَ مَوْلُودٌ ذَكَرٌ إِلا ذَبَحَهُ ، فَذَبَحَ أَوْلادَهُمْ ..."

فذكر الحديث مطولا ، في شأن ولادة إبراهيم عليه السلام ، ونشأته . وفيه :

" وَكَانَ أَبُوهُ يَصْنَعُ الأَصْنَامَ فَيُعْطِيهَا وَلَدَهُ فَيَبِيعُونَهَا ، وَكَانَ يُعْطِيهِ فَيُنَادِي: مَنْ يَشْتَرِي مَا يَضُرُّهُ وَلا يَنْفَعُهُ؟  فَيَرْجِعُ إِخْوَتُهُ وَقَدْ بَاعُوا أَصْنَامَهُمْ ، وَيَرْجِعُ إِبْرَاهِيمُ بِأَصْنَامِهِ كَمَا هِيَ ، ثُمَّ دَعَا أَبَاهُ فَقَالَ: « يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ". انتهى

وهذا الإسناد ضعيف جدا لا يثبت ، لما يلي :

أولا : أنه من رواية السدي الكبير وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة ، وهو مختلف فيه حيث قال يحيى بن سعيد القطان :" لا بأس به  ، ما سمعت احدا يذكر السدي إلا بخير وما تركه أحد " ، ووثقه أحمد ، وضعفه ابن معين ، وقال أبو حاتم : "يكتب حديثه ولا يحتج به " ، وقال أبو زرعة:" لين ". انظر "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/185) ، وقال ابن عدي :" مستقيم الحديث صدوق لا بأس به ". "الكامل" (1/449) ، وقال الذهبي :" حسن الحديث ". "الكاشف" (391) ، وقال ابن حجر :" صدوق يهم ". "التقريب" (463) ، وهذا أرجح الأقوال فيه : أنه حسن الحديث ما لم يخالف أو يتفرد ، إلا أن الإشكال ليس في مجرد شخصه، بل في طريقة روايته للأحاديث والآثار ، حيث أنه يروي المتن بعدة طرق مجتمعة دون أن يميز بينها في المتن ، وقد تكون بعض الطرق ضعيفة ، وهذه علة تضعف الحديث والأثر ، وهذا حدث في هذا المتن ، فإنه رواه بثلاثة طرق :

عن أَبِي صَالِحٍ، وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنه

عن مرة الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه

عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

وأحد هذه الطرق ضعيف لا يثبت، وهو رواية أبي صالح عن ابن عباس ، فإنه أبو صالح بَاذَام، ويقال: بَاذَان ، مولى أم هانئ لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما .

قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/201) :" قال مسلم في "كتاب التفصيل" : هذا الحديث ليس بثابت ، وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه ، ولا يثبت له سماع من ابن عباس ". انتهى .

وانظر "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" للعلائي (ص36) ، وأكثر أهل العلم على تضعيفه ، وأقل ما فيه أنه مرسل.

وجمع السدي الطرق الثلاث بسياق واحد دون تمييز: علة فيه . قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/165) :" ولكن السدي مختلف في أمره ، وكان الإمام أحمد ينكر عليه جمعهُ الأسانيد المتعددة للتفسير الواحد". انتهى .

وقال ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب (1/209) :" من روايات الضعفاء عن ابن عباس:... قال : ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السدي -بضم المهملة وتشديد الدال- وهو كوفي صدوق ، لكنه جمع التفسير من طرق ، منها عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن شراحيل عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة وغيرهم وخلط روايات الجميع فلم تتميز رواية الثقة من الضعيف ". انتهى .

ثانيا : أنه من رواية أسباط بن نصر عن السدي . وهذا فيه إشكالان :

الإشكال الأول : في أسباط بن نصر نفسه ، فإنه كثير الخطأ والوهم ، قال أبو زرعة :" كان أسباط بن نصر يقلب الحديث". الضعفاء لأبي زرعة (2/464) . وقال البخاري في تاريخه الأوسط: صدوق. وَقَالَ النَّسَائِيُّ:" لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ". انظر "تهذيب التهذيب" (1/212) ،

ووثقه ابن معين كما في "سؤالات ابن الجنيد" (777) ، وقال ابن حجر في "التقريب" (321) :"صدوق كثير الخطأ يغرب". انتهى

الإشكال الثاني : في روايته التفسير عن السدي . فقد روى العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/87) بسنده عن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: السُّدِّيُّ كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنَّ حَدِيثَهُ لَمُقَارِبٌ ، وَإِنَّهُ لَحَسَنُ الْحَدِيثِ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ أَسْبَاطٌ عَنْهُ ، فَجَعَلَ يَسْتَعْظِمُهُ , قُلْتُ ذَاكَ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ , فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ؟ وَقَدْ جَعَلَ لَهُ أَسَانِيدَ مَا أَدْرِي مَا ذَاكَ ". انتهى

فهذا فيه إعلال لروايته التفسير عن السدي أنه جعل لأقوال السدي أسانيد ، وهذا ناشئ عن سوء الحفظ هنا وليس الكذب ، ولذا قال الخليلي في "الإرشاد" (1/396) :" وَتَفْسِيرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ : فَإِنَّمَا يُسْنِدُهُ بِأَسَانِيدَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَرَوَى عَنِ السُّدِّيِّ الْأَئِمَّةُ مِثْلُ: الثَّوْرِيُّ , وَشُعْبَةُ , لَكِنَّ التَّفْسِيرَ الَّذِي جَمَعَهُ رَوَاهُ عَنْهُ أَسْبَاطُ بْنِ نَصْرٍ , وَأَسْبَاطٌ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَيْهِ ". انتهى

ثالثا : أن هذا الخبر بطوله ، إنما يشبه أخبار الكتاب ، وما كان يحكيه الصحابة عنهم ، في ذلك الباب . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (13/366) :" وَلِهَذَا غَالِبُ مَا يَرْوِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السدي الْكَبِيرُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ . وَلَكِنْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَنْقُلُ عَنْهُمْ مَا يَحْكُونَهُ مِنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْكِتَابِ ... " .

ثانيا : ما روي عن بعض تابعي التابعين من قولهم . روي ذلك عن اثنين :

الأول : إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكبير ، رواه عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (15692) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط عن السدي به . من قوله .

الثاني : محمد بن إسحاق راوية السير والمغازي ، رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره (15695) و الطبري في تفسيره (9/356)  من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق به . من قوله .

وهذه لا حجة فيها بإجماع أهل العلم .

ومما سبق يتبين أن ما نسب لإبراهيم الخليل من كونه أنه كان يبيع الأصنام وينادي :" من يشتري من يضره ولا ينفعه " : لم يرو بإسناد تقوم به الحجة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب