الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

والدهم ينهاهم عن زيارته ويتوعدهم بالطرد والأذى فهل تجب عليهم زيارته

266456

تاريخ النشر : 26-04-2017

المشاهدات : 6968

السؤال

لدي أب لا يريد أن يزوره أبناؤه ، وعندما زاره أحد الأبناء قال له : لا تأتي إلي لست ، بأبيك ولست بابني ، وإن أتيت فسوف أغلق الباب ، وسوف أهينك وسوف أؤذيك في الكلام ، فلا تأتي لي أرجوك ؟! فماذا أفعل لكِ يرضى ؟! وهل إذا لم آتيه هل أعتبر من القاطعين للرحم أو من عقوق الوالدين ؟! أفيدوني جزاكم الله خيراً ؟! لأني قررت عدم زيارته لأنه لا يريد أن أزوره ولا أحد من إخوتي ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

بر الوالدين من آكد الفرائض التي أمر الله بها عباده، وقرنه بالأمر بتوحيده سبحانه، فقال: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23-24 ، وقال عز وجل : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) النساء/36.

وهذا البر يكون بطاعتهما واحترامهما وتوقيرهما ، والدعاء لهما ، وخفض الصوت عندهما ، والبشاشة في وجوههما ، وخفض الجناح لهما ، وترك التأفف والتضجر عندهما ، والسعي في خدمتهما ، وتحقيق رغباتهما ، ومشاورتهما ، والإصغاء إلى حديثهما ، وترك المعاندة لهما ، وإكرام صديقهما في حياتهما وبعد موتهما .

ومن البر : زيارتهما ، وتقديم الهدايا لهما ، وشكرهما على تربيتك والإحسان إليك صغيرا وكبيرا .

وبالجملة : فبر الوالدين : مصاحبتهما بالمعروف ، والإحسان إليهما قولا وفعلا ، كما قال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) الأحقاف/15 ، وقال سبحانه : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ) العنكبوت/8 ، وقال تعالى : ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) سورة لقمان/15

وكما أن البر واجب، فإن العقوق وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب، كما روى البخاري (5976) ومسلم (87) عن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ قُلْنَا : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ، فَقَالَ : أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ : لَا يَسْكُتُ).

ثانيا :

لا يجوز للأب أن يهجر أبناءه، ولا أن يدعوهم لهجره؛ لما في ذلك من الدعوة للإثم وقطيعة الرحم.

قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/22،23 .

وروى البخاري (6237) ومسلم (2561) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ).

وهذا عام في هجر كل مسلم، وهو في الوالدين أعظم وأشد.

وإذا كان الأب لا يريد من أبنائه أن يزوروه ، ويهددهم بإهانتهم وغلق الباب .. ونحو ذلك .

فالواجب هو البحث عن الأسباب التي أدت بالأب إلى هذا التصرف ، فقد يكون مريضا أو يمر بحالة نفسية غير مستقرة ، أو يكون في خصومة مع أولاده ، وقد أساؤوا إليه ، أو أخطأوا في حقه .. أو غير ذلك من الأسباب .

فإذا عرف السبب : فالذي ينبغي هو السعي في إزالته حتى يعود الأب إلى طبيعته وهدوئه ، ويمكن الاستعانة بكبار العائلة أو أصدقاء الوالد الذين يحترمهم ويحبهم ، حتى يكونوا أقدر على التأثير عليه .

فإذا بذل الأولاد كل ما في وسعهم لإرضاء أبيهم والاعتذار إليه – إن كانوا أخطأوا في حقه – وإصلاح أخطائهم ؛ ثم إنه مع كل ذلك ، أصَرَّ الأب على موقفه : فلا حرج عليهم في هذه الحالة أن يتركوا زيارته ، لأن الزيارة التي سيقابلها الأب بغلق الباب والإهانة .. إلخ لا مصلحة فيها ، ولا إحسان فيها للأب ، بل تزيد الأمر سوءًا وتوترا وكراهية وبغضا ، ومثل هذه الزيارة لا يأمر بها الشرع .

على أنهم في هذه الحالة لا يقاطعونه ، بل يستمرون في التواصل معه ، ما أمكنهم ذلك ، ولو عن طريق إرسال الرسائل النصية ، التي فيها الحب والاعتذار والتوقير والإقرار بحقه والسؤال عنه ... إلخ .

وإذا استطاعوا أن يرسلوا له بعض الهدايا مع أحد أصدقائه أو أقاربه فهو أفضل ، لعل ذلك يكون سببا لهدايته ولين قلبه .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب