الحمد لله.
أولا :
الحديث المذكور في السؤال :
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/225) ، ومن طريقه أبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" (2/288) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (9271) ، من طريق إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ ، قال حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ قَضَى نَهْمَتَهُ فِي الدُّنْيَا ، حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَهْوَتِهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَهُ إِلَى زِينَةِ الْمُتْرَفِينَ ، كَانَ مَهِينًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ ، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْقُوتِ الشَّدِيدِ صَبْرًا جَمِيلًا ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْفِرْدَوْسِ حَيْثُ شَاءَ ) .
والحديث ضعيف ، لا يثبت ، وفيه أكثر من علة :
فيه " فضيل بن مرزوق " ، وثقه ابن معين في رواية الدوري (1298) ، وضعفه في أخرى كما في "المجروحين" (2/209) .
وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (7/75) :" سألت أبى عن فضيل بن مرزوق فقال : هو صدوق صالح الحديث يهم كثيرا يكتب حديثه ، قلت: يحتج به؟ قال: لا "انتهى .
وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/209):" مُنكر الحَدِيث جدا ، كَانَ مِمَّن يخطئ على الثِّقَات ، ويروي عَن عَطِيَّة الموضوعات ، وَعَن الثِّقَات الْأَشْيَاء المستقيمة ، فَاشْتَبَهَ أمره ، وَالَّذِي عِنْدِي أَن كل مَا روى عَن عَطِيَّة من الْمَنَاكِير يلزق ذَلِك كُله بعطية ، وَيبرأ فُضَيْل مِنْهَا ، وَفِيمَا وَافق الثِّقَات من الرِّوَايَات عَن الْأَثْبَات يكون محتجا بِهِ ، وَفِيمَا انْفَرد على الثِّقَات ، مَا لم يُتَابع عَلَيْهِ : يُتنكب عَنْهَا فِي الِاحْتِجَاج بهَا "انتهى .
وفيه " إسماعيل بن عمرو البجلي " ، ضعفه النسائي كما في "الضعفاء والمتروكين" (85) ، وأبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (2/190) ، وابن عدي كما في "الكامل" (1/525) ، وقال الخطيب في "تاريخ بغداد" (1/336) :" صاحب غرائب ومناكير " انتهى .
والحديث ضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/248) فقال :" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ ، وَفِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ ". انتهى ، وكذلك ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (5655) .
وللحديث طريق آخر تالف ، أخرجه قوام السنة في "الترغيب والترهيب" (1455) من طريق محمد بن أيوب الأنماطي ، قال ثنا إبراهيم بن عبد الجبار المصري ، ثنا خالد بن عبد الرحمن أبو الهيثم الخراساني ، ثنا شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب به .
وفيه أكثر من علة أيضا :
فيه خالد بن عبد الرحمن أبو الهيثم الخراساني ، وثقه ابن معين ، وقال أبو زرعة وأبو حاتم : لا بأس به ، وقال العقيلي : في حفظه شيء . انظر "تهذيب الكمال" (8/123) ، ، وقال ابن عدي في "الكامل" (3/36) :" ليس بذاك" ، انتهى ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/281) :" كَانَ مِمَّن يخطئ حَتَّى خرج عَن حد الْعَدَالَة لكثرته، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بِهِ إِذَا انْفَرد ". انتهى
وهنا قد انفرد عن شعبة بهذا الحديث فلا يقبل منه مع ضعف حفظه .
وفيه إبراهيم بن عبد الجبار المصري ، مجهول لم يترجم له أحد .
وفي معناه أيضا : ما أخرجه ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (304) من طريق كادح بن رحمة الزاهدي ، وابن الفاخر في "موجبات الجنة" (222) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1366) ، من طريق عنبسة بن عبد الرحمن ، كلاهما ( كادح ، عنبسة ) عن الْمُعَلَّى بْن عِرْفَانَ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَنَعَ بِمَا رُزِقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ).
والحديث موضوع :
فيه المعلى بن عرفان ، متروك الحديث ، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/149) :" قال ابن معين: ليس بشيء ، وقال البخاري: منكر الحديث ، وقال النسائي: متروك الحديث " انتهى.
وكلا الراويين عنه كذاب: فالأول كادح بن رحمة ، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/399) :" قال الأزدي وغيره :" كذاب " . انتهى ، وقال أبو نعيم الأصبهاني في "الضعفاء" (200) :" روى عن الثوري ومسعر أحاديث موضوعة ". انتهى ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/229) :" كَانَ مِمَّن يروي عَن الثِّقَات الْأَشْيَاء المقلوبات حَتَّى يسْبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا ، أَو غفل عَن الإتقان حَتَّى غلب عَلَيْهِ الأوهام الْكَثِيرَة ، فَكثر الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته فَاسْتحقَّ بهَا التّرْك ". انتهى
والثاني عنبسة بن عبد الرحمن ، كذاب أيضا ، قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (6/403) :" متروك الحديث كان يضع الحديث " انتهى.
وقد قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1366) بعد روايته للحديث :" عنبسة والمعلى متروكان ، وكذلك قال النسائي وغيره ، وقال ابن حبان : كلاهما يروي الموضوعات لا يجوز الاحتجاج بهما "انتهى .
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1616) :" موضوع " .
ثانيا :
وأما ما يشير إليه مضمون الحديث ، من أن من قنع بما آتاه الله : فهو من الفائزين المفلحين ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يكفي المسلم ، وينفعه واعظه ، ويغنيه عن تلك الغرائب والواهيات .
فمن ذلك :
ما رواه مسلم (1054) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ ) .
ومن ذلك أيضا : ما أخرجه الترمذي في "سننه" (2349) ، وابن حبان في "صحيحه" (541) من طريق حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الخَوْلاَنِيُّ ، أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ الجَنْبِيَّ ، أَخْبَرَهُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :( طُوْبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الإِسْلامِ ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِهِ ) .
والحديث إسناده صحيح ، صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (830) .
والحاصل :
أن الحديث الوارد في السؤال : لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم . ويغني عنه ما ورد في البشارة بالفلاح والفوز لمن كفاه الله هم العيش ، وقنع بالقليل ، وحد الكفاف منه .
تعليق