الحمد لله.
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري 7257 ومسلم 1840
وعليه : فطاعة الأم في نشوزها على الأب ورغبتها في عدم السكنى معه مما لا يحل شرعا ،
وكذلك طاعتها في رغبتها في العيش معكم مع ما تحدثه من خلاف وشقاق مما لا يجب شرعا ،
غاية ما يجب في هذا الباب النفقة عليها ، إذا امتنع الأب عن النفقة عليها ، ذلك بأن النشوز مسقط لحق الزوجة في نفقة زوجها عليها عند جماهير الفقهاء ، ولكنه لا يسقط حقها كأم في نفقة أولادها عليها بحسب طاقتهم وقدرتهم ، وهذا شامل لحاجاتها الأساسية من المأكل والملبس والسكنى .
قال ابن قدامة في "المغني" (8 / 236) :
"معنى النشوز : معصيتها لزوجها فيما له عليها، مما أوجبه له النكاح، وأصله من الارتفاع، مأخوذ من النشز، وهو المكان المرتفع، فكأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها فسميت ناشزا .
فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه = فلا نفقة لها ولا سكنى، في قول عامة أهل العلم؛ منهم الشعبي، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبو ثور .
وقال الحكم: لها النفقة .
وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا خالف هؤلاء إلا الحكم ، ولعله يحتج بأن نشوزها لا يسقط مهرها، فكذلك نفقتها" . انتهى .
والحاصل : أن غضب الأم - والحالة هذه - غير موجب لغضب الرب تعالى عليكم ، إن شاء الله ، ولا يجب عليكم شرعا طاعتها أو إعانتها على هذا النشوز.
ولا ننصحكم باصطحابها للعيش معكم ، حتى لو رضي والدكم . بل اجتهدوا في استرضائها ، واسترضاء والدكم ، والإحسان إليهما قدر ما تطيقون ، وهي في مكان إقامتها ، في بلدكم الأصلي.
فمن أصول الشرع المقررة ، المتفق عليها : أنه لا يحل لمسلم أن يدخل الضرر على مسلم ، سواء كان على نفسه ، فإن يده ليست مطلقة التصرف في نفسه من غير إذن الشارع ، ولا على غيره ، فلا يحل له أن يضر بمسلم .
ومن الأدلة المشهورة الظاهرة في ذلك : حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) .
رواه ابن ماجة وغيره ، وصححه الألباني بطرقه ، كما في "الإرواء" (896)، وينظر : "جامع العلوم والحكم" (2/207-210) .
وقد نص أهل العلم على عدم طاعة الوالد إذا أمر بما يخالف العقل والحكمة .
جاء في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/129): " وَحَيْثُ نَشَأَ أَمْرُ الْوَالِدِ أَوْ نَهْيُهُ عَنْ مُجَرَّدِ الْحُمْقِ : لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ" انتهى.
وبناء على ذلك النظر المقرر في الشريعة ، يقال : إن طاعة الوالدين ، أو الجدين ، إنما تشرع حيث لا تجلب هذه الطاعة ضررا عليهما ، أو على غيرهما .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (214117).
والله أعلم
تعليق