الحمد لله.
أولا:
الدربكة أو الدربوكة آلة لهو معروفة، وهي الكوبة والكَبَر، من أنواع الطبول، كما صرح به غير واحد، وفيها قولان لأهل العلم، فذهب المالكية إلى جوازها، وذهب الشافعية إلى تحريمها.
قال الدردير في الشرح الصغير (2/ 502): " ( و ) كره ( الزمارة والبوق ) المسمى عندنا بالنفير إذا لم يكثر جدا حتى يلهي كل اللهو ، وإلا حرم كآلات الملاهي ذوات الأوتار ، والغناء المشتمل على فحش القول أو الهذيان ، ( لا الغربال ) ، قال ابن عمر[هو: الشيخ يوسف بن عمر، من علماء المالكية] : هو المسمى عندنا بالبندير ، ويسمى في عرف مصر بالطار ، أي فلا يكره إذا لم يكن فيه صراصير ، وإلا حرم . ( والكبر ) فلا يكره : وهو الطبل الكبير المدور المغشى من الجهتين " انتهى.
قال الصاوي في حاشيته عليه: " قوله : [ وهو الطبل الكبير ] : وقيل طبل صغير طويل العنق مجلد من جهة واحدة ، وهو المعروف بالدربكة ، وفي تقرير لشيخ مشايخنا العدوي أن الطبل بجميع أنواعه يجوز في النكاح ، فإن كان فيه صراصير ففيه خلاف" انتهى.
وقال العدوي في حاشيته على الخرشي (3/ 304) في بيان الكَبَر:" قال يوسف بن عمر: الكَبر طبلة من فخار أو عود ، لها فمان ضيق وواسع، فالواسع مغشى بالجلد والآخر غير مغشى ا هـ وهو المسمى الآن بالدربكة ، والمعروفة في الحديث بالكوبة والقرطبة" انتهى.
وينظر أيضا: حاشية الدسوقي (2/ 339).
وعلم بهذا أن مذهب المالكية جواز استعمال الدربكة في الأفراح، مع جزمهم بأنها الكوبة، وهي نوع من الطبول، ومذهبهم جواز استعمال الطبول كلها في النكاح إلا ما كان فيه صراصير ، وهي قطع المعدن التي تحدث صوتا عند الضرب على الطبل .
وأما الشافعية، فيرون تحريم الدربكة، ويجزمون أيضا بأنها الكوبة.
قال في شرح المنهج: " (أَوْ) أَوْصَى (مَنْ لَهُ طَبْلُ لَهْوٍ) وَهُوَ مَا يَضْرِبُ بِهِ الْمُخَنَّثُونَ وَسَطُهُ ضَيِّقٌ وَطَرَفَاهُ وَاسِعَانِ".
وفي حاشية الجمل عليه (4/ 47) : " (قَوْلُهُ: وَسَطُهُ ضَيِّقٌ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّ هَذَا يُسَمَّى بِالدَّرَبُكَّةِ ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ الطُّبُولَ كُلَّهَا حَلَالٌ ، إلَّا الدَّرَبُكَّةَ ، وَأَنَّ الْمَزَامِيرَ كُلَّهَا حَرَامٌ ، إلَّا النَّفِيرَ" انتهى.
وينظر: حاشية البجيرمي على الخطيب (3/ 245)، إعانة الطالبين (3/ 152).
والراجح تحريم الكوبة في النكاح وغيره؛ لأنه لم يرخص في النكاح إلا في الدف.
روى أحمد (2476) وأبو داود (3696) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس : (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيَّ، أَوْ حُرِّمَ الْخَمْرُ، وَالْمَيْسِرُ، وَالْكُوبَةُ» قَالَ: «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) .
قَالَ سُفْيَانُ: فَسَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ بَذِيمَةَ عَنِ الكُوبَةِ، قَالَ: الطَّبْلُ .
والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (6478) وأبو داود (3685) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ وَالْغُبَيْرَاءِ . وَقَالَ : كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : قَالَ ابْنُ سَلَامٍ أَبُو عُبَيْدٍ : الْغُبَيْرَاءُ السُّكْرُكَةُ تُعْمَلُ مِنْ الذُّرَةِ شَرَابٌ يَعْمَلُهُ الْحَبَشَةُ . والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال القرطبي رحمه الله : " أما المزامير والأوتار والكوبة : فلا يختلف في تحريم استماعها ، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك ، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ، ومهيج الشهوات والفساد والمجون؟! وما كان كذلك لا يُشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه " انتهى نقلا عن "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/337).
والكوبة: الطبل.
قال ابن حجر المكي في الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 348) : " لا يحرم من الطبول إلا الكوبة ، كما صرح به الشيخان [أي النووي والرافعي] وغيرهما. وعبارة الرافعي: وفي الإحياء ولا يحرم صوت طبل إلا الطبل الذي يسمى الكوبة ، فإنه ورد النهي عنه وهو طبل طويل متسع الطرفين ضيق الوسط انتهى.
وتفسيره الكوبة بما ذكر تبع فيه الإمام والغزالي، وقضية كلام الإسنوي : تفرد هؤلاء به، وليس كذلك، وممن فسرها بالطبل: أحد رواة الحديث علي بن بذيمة كما ذكره البيهقي عن سفيان عنه، وتفسير الراوي مقدم على تفسير غيره لأنه أعلم بمرويه، وكذا الجوهري فقال: هي الطبل الصغير المخصر، وكذا عبد اللطيف البغدادي في لغة الحديث، وكذا الماوردي، قال الأذرعي: وهو مراد الفقهاء. وقال صاحب التنقيب: الصحيح أنها الطبل المذكور كان يلعب به شباب قريش بين الصفا والمروة.
وقال آخرون: هي النرد. منهم الخطابي، وغلّط من قال إنها الطبل، وذكر مثله ابن الأعرابي والزمخشري وصححه ابن الأثير في النهاية.
قال الأذرعي: وفيما سبق عن الجوهري وغيره ما يدفع التغليط. نعم إطلاقها على كل ما يسمى طبلا ليس بجيد، انتهى.
والحاصل؛ أن الكوبة تطلق على الطبل السابق ، وهو مراد الفقهاء ، وحملوا الحديث السابق - إن الله يغفر لكل مذنب إلا صاحب عرطابة أو كوبة - عليه ، وعلى النرد ، وهو لغة أهل اليمن، وعلى الشطرنج.
وأما زعم الإسنوي أن تفسيرها بالطبل خلاف المشهور في كتب اللغة فيرده ما مر عن الجوهري وغيره؛ بل الصواب إطلاقها لغة على الطبل السابق، وعلى النرد، ومراد الفقهاء الأول، لكن الموجودة الآن ليس اتساع طرفيها على حد سواء .
وأيضا : فأحدهما وهو المتسع هو الذي عليه الجلد الذي يضرب عليه ، والآخر ضيق لا شيء عليه، وكل ذلك لا ينافي تفسير الفقهاء المذكور ، خلافا لمن وهم فيه ممن لا يعتد به " انتهى.
ثانيا:
قد علمت الخلاف في الدربكة، وأن مذهب المالكية جوازها في النكاح، وهو المذهب المعتمد في بلدك .
ولهذا نرى أن تبيني أن الكوبة طبل، لا دف، وأنها محرمة، على الأظهر ، لا يرخص فيها في نكاح ولا غيره .
فإن استجيب لك فالحمد لله، وإن لم يستجب لك، فلا تنكري على من استعملها من النساء، لأنه قول معتبر ، وهو المذهب المفتى به في بلدكم ، فلا إنكار على من عمل به من أهله .
لكن تجنبي الجلوس معهن أثناء ذلك ، إذا كنت تعتقدين أن القول الراجح : المنع منها .
وانظري جواب السؤال رقم (45862) ورقم (7577) ورقم (82500).
والله أعلم.
تعليق