الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

أنفق من ماله على علاج والده فهل يسترده من التركة؟

268998

تاريخ النشر : 15-08-2017

المشاهدات : 19369

السؤال

توفي والدي إلى رحمة الله ، وله زوجة ، وبنت ، وثلاثة أبناء ذكور، وترك لنا سيارة ، وعقارا ، ودينا له عند أحد الأشخاص، وقد مرض والدي قبل وفاته ، وتكلف علاجه أموالا كثيرة ، بدأ هو بتحملها حتى انتهت أمواله السائلة ، فتحملت أنا باقي تكاليف العلاج ؛ لأني و ـ الحمد لله ـ الوحيد بين إخوتي الذي يمكنه توفير المبلغ المطلوب نقدا ، وقد كنت أسدد التكاليف من باب حق والدي علي ، وكل ما أرجوه أن يمن الله عليه بالشفاء ، وكانت عادة والدي ـ رحمة الله عليه ـ التي اعتدتها منه في حياته أنه كان يصر أن يعيد لي أي مال أنفقه عليه ، حتى لو كان مبلغا يسيرا ، بل وكان يغضب إن حاولت ألا آخذ منه المال ، لذلك لم أكن لأرفض لو قدر الله لوالدي التعافي من مرضه أن يسدد لي ما أنفقت ، وخلال مرضه الأخير لم أتحدث مع أي من إخوتي بشأن ما أنفقه على والدي ؛ لعلمي بعدم قدرتهم المادية ، كما لم يحدثني هو عن هذا الأمر نظرا لسوء حالته الصحية وقتها. وسؤالي هو : عند توزيع التركة هل يحق لي أن آخذ منها قدر ما أنفقت على علاج والدي قبل التوزيع على الورثة أم لا ؟

الجواب

الحمد لله.

إذا احتاج الأب إلى ثمن العلاج، وجب على القادر من أبنائه بذله له؛ لأن العلاج يدخل في النفقة، ونفقة الوالد المحتاج واجبة في مال ولده القادر، إجماعا.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/ 168): " (ويجبر الرجل على نفقة والديه ، وولده ، الذكور والإناث ، إذا كانوا فقراء ، وكان له ما ينفق عليهم) .

الأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين : الكتاب والسنة والإجماع ; أما الكتاب فقول الله تعالى: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ؛ أوجب أجر رضاع الولد على أبيه ، وقال سبحانه: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقال سبحانه: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. ومن الإحسان: الإنفاق عليهما عند حاجتهما.

ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. متفق عليه. وروت عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه. رواه أبو داود.

وأما الإجماع ، فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ، ولا مال ، واجبة في مال الولد ، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.

ولأن ولد الإنسان بعضه ، وهو بعض والده ، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله ؛ كذلك على بعضه وأصله " انتهى.

فما أنفقته في علاج والدك واجب عليك، وهو من برك بأبيك، ونسأل الله أن يثيبك عليه، وليس لك أخذه من التركة.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (25/ 261): " س: قريب لي له والد كبير في السن ومريض، وقد احتبس بوله نتيجة البروستات، وتقرر عمل عملية استئصال لها على نفقة المريض الخاصة، لهذا طلب الابن من الأسرة المساعدة ماليا فلم يجد منهم تجاوبا، ولوالده مكافأة إمامة مسجد شهرية قدرها (1425) ريالا، والولد صاحب أسرة كبيرة، وله فلوس أدخلها في البنك للحاجة، لكن لحالة والده اضطر إلى سحبها ودفع تكاليف العملية التي كانت بمبلغ (12000) ريال، فهل يصح للابن أن يأخذ من مكافأة والده (1000) ريال شهريا حتى يستوفي المبلغ الذي سحبه من البنك أم لا، علما بأن الابن لو لم يأخذ من رصيده لما حصل على المال إلا بأخذ بيعة في ذمة والده على المكافأة، وستكون البيعة بـ (18) ألف ريال تصفي (12) ألف ريال، وسيطالب صاحب البيعة الوالد بالتوكيل على كامل المكافأة حتى سداد المبلغ. نأمل إفادتنا عن رأيكم في ذلك.

الجواب: ما أنفقته من مالك الخاص في علاج والدك هو من واجب حقه عليك، ومن بره وصلته، ونرجو أن يثيبك الله على ذلك بالثواب الجزيل والأجر العظيم .

وإن أعطاك والدك ما أنفقته عليه أو بعضه في علاجه برضا منه : فلك أخذه .

أما أن تطالبه بجميع ما صرفته عليه ، مطالبة الدائن لغريمه : فهذا غير مشروع، ولا يليق في حق والدك الذي رباك منذ الصغر، وسهر لأجل راحتك وإسعادك، وأنفق عليك حتى كبرت وصرت رجلا .

ويدل لذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبي اجتاح مالي، فقال: أنت ومالك لأبيك ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم رواه ابن ماجه في (سننه) ، وروى الإمام أحمد في (مسنده) نحوه، وفي رواية أخرى له: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاصم أباه فقال: يا رسول الله، إن هذا قد احتاج إلى مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنت ومالك لأبيك .

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب