الحمد لله.
أولا:
من المجمع عليه في دين الإسلام أن الله واحد لا شريك له، قال الله تعالى:
( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ) الإخلاص /1 – 2.
ومما تواترت به نصوص الوحي، واجتمعت عليه الفرقة الناجية، أن نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الصفات؛ كقوله تعالى:
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى/ 11.
والله تعالى بجميع صفاته واحد أحد لا شريك له؛ فهذه الصفات العليا؛ هي صفات ملازمة لذات الله تعالى غير منفكة عنه، وليست هي الله تعالى نفسه.
قال ابن بطة رحمه الله تعالى:
" ولا يقال: إن عزة الله هي الله، ولو جاز ذلك؛ لكانت رغبة الراغبين ومسألة السائلين أن يقولوا: يا عزة الله! عافينا، ويا عزة الله! أغنينا، ولا يقال: عزة الله غير الله، ولكن يقال: عزة الله صفة الله، لم يزل ولا يزال الله بصفاته واحدا.
وكذلك علم الله، وحكمة الله، وقدرة الله وجميع صفات الله تعالى، وكذلك كلام الله عز وجل.
فتفهموا حكم الله؛ فإن الله لم يزل بصفاته العليا وأسمائه الحسنى عزيزا، قديرا، عليما، حكيما، ملكا، متكلما، قويا، جبارا ... " انتهى، من "الإبانة الكبرى – الرد على الجهمية" (2 / 181 - 182).
فإذا كانت صفات الله تعالى بهذا المقام؛ فإنّ ذكرها في الدعاء؛ يكون من وجهين:
الوجه الأول:
أن يذكر الداعي هذه الصفة على أنها هي المتوجه إليها بالدعاء والنداء، كأن يقول يا لطف الله! الطف بي، أو يا رحمة الله! ارحميني، ونحو هذا؛ وهذا يسمى "دعاء الصفة".
فهذا من الشرك؛ لأن الداعي في هذه الحالة قد جعل الصفة ذاتا قائمة بنفسها ، تفعل بمشيئتها وإرادتها من دون الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين " انتهى، من "الاستغاثة" (1 / 157).
الوجه الثاني:
أن يذكر الداعي هذه الصفات العليا، على سبيل التوسل بها؛ فهذا أمر مشروع، وقد جاءت به النصوص الشرعية؛ وهذا يسمى "الدعاء بالصفة"؛ لأن المدعو والمنادى هو الله تعالى وحده، أما الصفة فذكرت من باب التوسل بها لا غير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث " انتهى، من "الاستغاثة" (1 / 157).
كحديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: ( فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ! أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ) رواه مسلم (486).
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ) رواه مسلم (2202).
ثالثا:
البيت الذي ذكرته في نسبته إلى ابن حزم شك، فقد ورد ضمن قصيدة نسبت إلى ابن حزم أنه قالها في محبسه متشوقا إلى أهله وولده، لكن قيل أنها تروى لغيره. انظر "تاريخ الأدب الأندلسي - عصر سيادة قرطبة" للدكتور إحسان عباس (385 - 387).
وهذا البيت ليس من باب دعاء الصفة ، ولا الدعاء بالصفة؛ فإن اللطائف في هذا البيت يظهر أن المقصود بها ليس صفة الله تعالى، وإنما ما يخلقه الله تعالى من الحوادث لطفا بعباده ورحمة بهم.
فالشاعر يرجو أن يخلق الله حوادث ، فيها لطف ورحمة بحاله ، تتسبب في مخرجه من سجنه وتحقق له لمّ الشمل مع أهله.
وهذا من باب التعلق بفضل الله ورحمته ، وتنفيسه لكربة المكروب بما يحدثه ويخلقه سبحانه في كونه من الأسباب ، ورجا أن يكون في أسباب التفريج هذه : فرجه مما هو فيه من الغم .
وليس في شيء من ذلك غلط ، ولا شرك ، معاذ الله .
بل لو كان رجاؤه في نفسه رحمة الله ، ولطفه ، الذي هو صفته القائمة به سبحانه : لم يكن في ذلك أيضا محذور ، ولا حرج ، ولا فيه دعاء لنفس الصفة ، بل غايته أن يكون من الاستعاذة برحمة الله من غضبه ، ونحو ذلك ، على ما مر في القسم الثاني .
والواجب حمل كلام أهل العلم والدين على أحسن محامله ، وأجملها ، ما كان لذلك وجه صحيح من النظر ؛ فكيف وهذا الوجه الصحيح : هو المحمل الظاهر القريب لكلامه ؟!
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما: أعظم الباطل، ويريد بها الآخر: محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه ويناظر عليه " انتهى. "مدارج السالكين" (5 / 3954).
فنسبة ابن حزم لهذه اللطائف جمع الشمل الظاهر أنها من باب السببية وليس من باب أنها فاعلة بنفسها مستقلة بالتأثير؛ بدليل أنه نسب القدرة إلى الله تعالى دون غيره؛ حيث قال: " لطائف من لا شيء يعجزه ".
والله أعلم.
تعليق