الحمد لله.
ذهب جمهور العلماء إلى تحريم أكل الحرباء ، لأنها من الأشياء المستخبثة ، وقد قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) الأعراف /157.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
" أصل التحريم، نص كتاب أو سنة، أو جملة كتاب أو سنة ، أو إجماع، قال الله تبارك وتعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )، وقال عز وجل: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) الآية.
وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين ، كانوا ، لها، وهم العرب الذين سألوا عن هذا، ونزلت فيهم الأحكام، وكانوا يكرهون من خبيث المآكل ما لا يكرهها غيرهم...
فكل ما سئلت عنه، مما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل من ذوات الأرواح، فانظر هل كانت العرب تأكله؟ فإن كانت تأكله ولم يكن فيه نص تحريم، فأحِلَّه، فإنه داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم، لأنهم كانوا يُحِلون ما يستطيبون.
وما لم تكن تأكله، تحريما له باستقذاره، فحرِّمه؛ لأنه داخل في معنى الخبائث، خارج من معنى ما أحل لهم مما كانوا يأكلون، داخل في معنى الخبائث التي حرموا على أنفسهم، فأثبت عليهم تحريمها " انتهى، من "الأم" (2 / 640 - 641).
والحرباء من جملة هذه الخبائث.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" مسألة؛ قال: " والمحرم من الحيوان، ما نص الله تعالى عليه في كتابه، وما كانت العرب تسميه طيبا، فهو حلال، وما كانت تسميه خبيثا، فهو محرم؛ لقول الله تعالى ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) ".
يعني بقوله: ما سمى الله تعالى في كتابه. قوله سبحانه: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ). وما عدا هذا، فما استطابته العرب، فهو حلال؛ لقول الله تعالى: ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ )...
وما استخبثته العرب، فهو محرم؛ لقول الله تعالى: ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ). والذين تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز، من أهل الأمصار؛ لأنهم الذين نزل عليهم الكتاب، وخوطبوا به وبالسنة، فرجع في مطلق ألفاظهما إلى عرفهم دون غيرهم، ولم يعتبر أهل البوادي؛ لأنهم، للضرورة والمجاعة : يأكلون ما وجدوا ...
إذا ثبت هذا، فمن المستخبثات الحشرات، كالديدان، والجعلان، وبنات وردان، والخنافس، والفأر، والأوزاغ، والحرباء، والعضاة، والجراذين، والعقارب، والحيات.
وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي " انتهى. "المغني" (13 / 316 - 317).
ثانيا:
الحيوان الذي ثبتت حرمة تناوله لا يجوز تناوله كعلاج؛ فإن الله لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا.
كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم (138842).
هذا ، مع أننا لا نعلم الثقات من أهل الطب والدواء : يصفون الحرباء علاجا لشيء ، ولعل من يصفها أن يكون من أهل الدجل والشعوذة ونحوهم .
وعلى أية حال : ففيما أحل الله لعباده من الطيبات ، ما يغنيهم عن المحرم الخبيث ، لطعامهم ، ودوائهم .
والله أعلم.
تعليق