الحمد لله.
أولا:
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكيّ من الأدوية التي فيها نفع، ومع هذا فقد نهى عنه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ رواه البخاري (5681).
وقد صحّ أنه يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، ومن صفاتهم أنهم لا يكتوون .
عن ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلاَءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانُوا لاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ رواه البخاري (6541) ، مسلم (220).
والعلة في النهي عن الكي، هو أحد أمرين:
الأمر الأول: أن الكي المنهي عنه فيه مخالفة لكمال التوكل على الله تعالى، كما أشار إليه آخر الحديث: ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ).
وعَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ رواه الترمذي (2055)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وإنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه؛ إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه فكرهه لذلك، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء ، لظنهم أنه يحسم الداء ، فيتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار لأمر مظنون، وقد لا يتفق أن يقع له ذلك المرض الذي يقطعه الكي .
ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكي ، وبين استعماله له : أنه لا يترك مطلقا، ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء ، مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى " انتهى من "فتح الباري" (10 / 138 – 139).
الأمر الثاني:
أن فيه تعريض المريض لنفسه للألم الشديد.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أحب أن أكتوي ) إشارة إلى تأخير العلاج بالكي ، حتى يضطر إليه ، لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (14 / 193).
وبناء على هذا؛ فإن عملية تثبيت البروتين بمكواة الشعر : لا تدخل في الكي المنهي عنه؛ لأن هذا التثبيت ليس من جنس العلاج بالكي، وليس بعملية علاجية؛ وإنما مجرد تسخين للشعر ليلين وتزول تجاعيده، ولتثبت المادة الموضوعة عليه.
كما أنه لا يُلحِق ألما ولا أذى بالشخص؛ فهو أسلوب آمن.
ثانيا:
استعمال هذه الطريقة لتنعيم الشعر وتغذيته، الأصل فيها أنها من الزينة المباحة للنساء؛ إلّا إذا كانت تؤدي إلى ضرر، أو كانت المواد المستعملة نجسة محرمة، ويعرف ذلك بسؤال أهل الاختصاص.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (5 / 189) :
" تغيير الشعر بغير السواد لا حرج فيه، وكذلك استعمال مواد لتنعيم الشعر المجعد، والحكم للشباب والشيوخ في ذلك سواء؛ إذا انتفت المضرة، وكانت المادة طاهرة مباحة ...
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ما حكم إذا عملت الفتاة دواءً لشعرها ليجعله ناعماً كصبغ الشعر بالسواد أو غيره هل هو حلال أم حرام؟" .
فأجاب :
" أما الدواء الذي يجعل الشعر ناعما : فلا أعلم فيه بأساً ، ولا حرج فيه .
وأما الذي تصبغ به المرأة بياض شعرها ليكون أسود فهذا لا يجوز وذلك لأنه ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) .. " انتهى، من "فتاوى نور على الدرب" .
ولا نعلم خلافا في هذه المسألة.
ثالثا:
ما يحصل في هذه العملية من تثبيت البروتين في الشعر، حسبما وقفنا عليه : ليس مانعا من الطهارة ، سواء الوضوء أو الغسل ؛ حيث إنه التثبيت لا يبقى لهذه المادة جسم منفصل عن الشعر، بل المادة تُغذي الشعر ، ويتشربها ، ولا يبقى منها إلا كأثر الحناء والدهون التي يتشربها الجلد ، ولا يبقى إلا دسمها ، وبعد غسل الشعر يزال ما هو منفصل عنه ، ولا يبقى منه حائل يمنع وصول الماء إلى الشعر .
فالحاصل؛ أن تثبيت هذا البروتين : إذا كان لا يمنع من وصول الماء إلى الشعر ، كما فهمنا من المعلومات المتاحة عنه : فلا حرج في استعماله .
وقد سئل د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي :
" يستخدم النساء الأفريقيات كريماً لتلميس الشعر وجعله ناعماً، حيث يقال إن هذا الكريم يقوم بحرق أو كي الشعر، فهل يجوز استخدام هذا الكريم، حيث إننا لا ندري ما إذا كان يكوي الشعر فقط أم أنه يغلفه بمادة عازلة كما يفعل الميش؟ مع العلم أنه قد انتشر استعماله في المجتمع السعودي بين النساء خاصة." ؟
فأجاب :
" إذا كان هذا الكريم يمد الشعر ، ويجعله ناعماً فقط، ولا يغلفه بمادة عازلة تمنع من وصول الماء إليه : جاز استخدامه .
وإن كان يكون طبقة عازلة ، بحيث تمنع وصول الماء عند مسح الرأس ، أو غسله : لم يجز استعماله لهذه العلة.
فإذا كان الإنسان لا يعلم حال هذا الكريم فإنه يتوقف عن استعماله حتى يتأكد من حاله، والله أعلم." انتهى ، من "فتاوى الإسلام اليوم" .
وقد سبق بيان جواز تنعيم الشعر ، وفرده ، ببعض المواد الكيمائية ، وبيان أن طهارة الشعر مبناها على التخفيف والتيسير . فينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (123351).
والله أعلم.
تعليق