الحمد لله.
أولا:
من المعلوم لكل مسلم؛ أنه يجب عليه طاعة والديه، وعصيانهما هو عقوق وكبيرة من الكبائر.
لكن طاعتهما إنما تجب في غير المعصية.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ رواه البخاري (7257) ومسلم (1840)، ورواه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 318) بلفظ: لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ .
وتكون في الأمر الذي لا ضرر فيه على الولد، وفيه مصلحة أو نفع للوالد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا " انتهى. "الفتاوى الكبرى" (5 / 381).
ثانيا:
ما يأمرك به والداك في أصله أمر فيه مصلحة وصلة للرحم وتوثيقها، لكن يلحقها بعض المحرمات كما وصفت، من سماع الغيبة وأصوات المعازف ورؤية بعض الصور المحرمة.
فالذي ننصحك به أن تحضر وتسلم على أقاربك وتطمئن على أحوالهم، فإن مرت منكرات؛ فالواجب في هذه الحال أن تنهاهم بالحسنى امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ رواه مسلم (49).
فإذا كنت تقوم بالنصح والإنكار عند مرور هذه المنكرات، فلا بأس من جلوسك معهم لما فيه من مصلحة تخفيف المنكر وازالته.
وإذا كانت المنكرات كثيرة ومستمرة وهم لا يبالون بنصحك؛ ففي هذه الحال عليك أن تفارقهم ، وتعتذر لهم بأدب أنك ستذهب لشيء ما أو لأداء الصلاة إن كان ذلك وقت صلاة ... ونحو ذلك لأن استمرار جلوسك معهم في هذه الحال لا مصلحة فيه للوالد وفيه ضرر على دينك.
قال الله تعالى :
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الأنعام/68 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى :
" هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال : ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي : ولكن ليذكرهم ، ويعظهم ، لعلهم يتقون الله تعالى " انتهى . "تفسير السعدي" (ص 260) .
وقد ترى أنه بإمكانك العودة في آخر المجلس ، لتشعرهم بأنك لا زلت معهم ولم تفارقهم ، وقد تعتذر عن الذهاب معهم في بعض المرات .
المهم أنك تحاول بقدر استطاعتك الجمع بين المصالح كلها : صلة الرحم ، وإرضاء والديك ، والأهم من ذلك كله : عدم الوقوع فيما حرم الله تعالى .
وينظر جواب السؤال (114437)، (102916) ، (153266).
والله لأعلم.
تعليق