الحمد لله.
أولا :
جاءت الأحاديث الصحيحة المتواترة بخروج المسيح الدجال ، ونزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .
وصحت أيضا بظهور المهدي .
وصحت الأحاديث كذلك أنهم يكونون جميعا في زمان واحد .
فروى البخاري في "صحيحه" (2476) ، ومسلم في "صحيحه" (155) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ المَالُ ، حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ) .
وجاء في "صحيح مسلم" أن المسيح عيسى عليه السلام سيقتل الدجال عند باب لُد ، ويريه الله تعالى دمه في حربته .
فقد روى مسلم في "صحيحه" (2897) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا ، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا ، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ ، فَيَخْرُجُونَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ ).
وأخرج مسلم في "صحيحه" (2937) من حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ ، قَالَ: " ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا ، فَقَالَ: ( مَا شَأْنُكُمْ؟ ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً ، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَقَالَ: ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا ، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ( أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ) ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: ( لَا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ( كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا ، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا ، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ ، يَضْحَكُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ ، فَيَقْتُلُهُ ).
وقد ثبت أنه يؤم المسلمين ، في وجود المسيح عيسى عليه السلام ، رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
فقد روى البخاري في "صحيحه" (3499) ، ومسلم في "صحيحه" (155) ، من حديث أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ).
وإنما كان ذلك ، تكرمة لهذه الأمة المحمدية .
فقد أخرج مسلم في "صحيحه" (165) من حديث جابر بن عبد الله ، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا ، فَيَقُولُ: لَا ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ).
وقد جاء تعيين هذا الأمير ، وأنه المهدي ، من حديث جابر أيضا ، في رواية أخرجها الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" ، أوردها ابن القيم في "المنار المنيف" (ص147) بإسناد الحارث بن أبي أسامة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا ، فيقول لا ، إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة ).
قال ابن القيم :"وهذا إسناد جيد " انتهى ، وهذا الإسناد صححه أيضا ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" (2/475) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2236) .
فثبت من الأحاديث الصحيحة تعاصر المسيح عيسى عليه السلام مع المهدي ، وكذلك مع المسيح الدجال .
ثانيا :
بالنسبة للتعارض الذي ظنه السائل الكريم ، فإن الأحاديث الواردة في شأن ابن صياد لا تتعارض مع الأحاديث الواردة في شأن الدجال وقتل المسيح له ووجود المهدي ، وذلك من وجوه :
الوجه الأول :
الحديث الذي أورده السائل بلفظ :" لا دجال إلا بالمهدي ولا مسيح إلا بالدجال ". لا أصل له ، ولا يروى بهذا اللفظ بأي إسناد .
الوجه الثاني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم قط في حديث أن ابن صياد هو الدجال ، وإنما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات الدجال ، ثم علم صلى الله عليه وسلم بابن صياد فوجد فيه بعض الصفات التي كانت عنده في الدجال ، وحينئذ توقف في أمره ولم يقطع بشيء ، ثم لما جاءه تميم بن أوس الداري وقص عليه الحديث المشهور حديث الجساسة ، وذكر فيه الدجال ذكر صلى الله عليه وسلم أن ذلك وافق ما كان حدثهم به عن الدجال ، وأن ابن صياد ليس هو الدجال .
وحديث الجساسة أخرجه مسلم في "صحيحه" (2942) من حديث فاطمة بنت قيس ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم يحكي عن الدجال أنه قال :( وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا ، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ:" هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ " - يَعْنِي الْمَدِينَةَ – " أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟ " فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ ، قال:" فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ).
قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (7/385) :" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى من ابْنِ صَيَّادٍ ما رَأَى من عَيْنِهِ ، وَلَمَّا سمع من هَمْهَمَتِهِ ما سمع ، وَلَمَّا وَقَفَ عليه من شَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ عنه في هذا الحديث ، لم يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ هو الدَّجَّالَ الذي قد أَعْلَمَهُ اللَّهُ عز وجل خُرُوجَهُ في أُمَّتِهِ ، فقال فيه ما قال ، بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ منه أَنَّهُ هو ، إذْ لم يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَلاَ أَنَّهُ ليس هو ، إذْ لم يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَوَقَفَ عن إطْلاَقِ وَاحِدٍ من ذَيْنِك الأَمْرَيْنِ فيه ...
ثُمَّ وَقَفَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم من بَعْدُ على ما حدثه بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ ..
وكان سُرُورُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا في هذا الحديث ، مِمَّا كان تَمِيمٌ حدثه إيَّاهُ : دَلِيلاً على أَنَّهُ قد تَحَقَّقَ عِنْدَهُ ، بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مِثْلُهُ عِنْدَهُ ، وَلَوْلاَ أَنَّ ذلك كان كَذَلِكَ ، لَمَا قام بِهِ في الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ خَطَبَ بِهِ عليهم ، وابن صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ معه بِالْمَدِينَةِ .
فَفِي ذلك ما قد دَلَّ : أَنَّ الدَّجَّالَ الذي كان منه فيه قبل ذلك ما كان ، وَمَنْ يُحَذِّرُ بِهِ أُمَّتَهُ منه وَمِنْ إخْبَارِهِ الناس أَنَّهُ لم يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ إِلاَّ وقد حَذَّرَ أُمَّتَهُ = خِلاَفُ ابْنِ صَيَّادٍ ". انتهى
وقال النووي في "شرح مسلم" (18/46) :" قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ ، وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ ، فِي أَنَّهُ: هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أم غيره ؟
ولاشك فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ولا غيره ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ ، وَكَانَ فِي ابن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ، وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ " انتهى .
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (11/283) :" وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ ، مِثْلُ حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ ، وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ " انتهى .
وقال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (1/108) :" وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ لَيْسَ بِالدَّجَّالِ الَّذِي يخرج في آخر الزمان قطعاً ، وذلك لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ فَإِنَّهُ فَيْصَلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ " انتهى .
وقد جمع الحافظ ابن حجر بين الأحاديث الواردة في ابن صياد وحديث الجساسة ، بأن الدجال الحقيقي هو من رآه تميم رضي الله عنه موثقا في قيوده في تلك الجزيرة ، وأما ابن صياد فهو شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة ، ثم توجه إلى أصبهان ليستتر فيها مع قرينه حتى يأذن الله بخروج الدجال .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (13/328) :" وَأَقْرَبُ مَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ مَا تَضَمَنَّهُ حَدِيثُ تَمِيم وَكَون ابن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ ، أَنَّ الدَّجَّالَ بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي شَاهده تَمِيم موثقًا ، وَأَن ابن صَيَّادٍ شَيْطَانٌ تَبَدَّى فِي صُورَةِ الدَّجَّالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، إِلَى أَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَصْبَهَانَ ، فَاسْتَتَرَ مَعَ قَرِينِهِ ، إِلَى أَنْ تَجِيءَ الْمُدَّةُ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى خُرُوجَهُ فِيهَا " انتهى.
وأيّا ما كان الأمر ، فإنه لا تعارض كما قدمنا ، سواء كان ابن صياد دجالا من الدجاجلة ، وليس الدجال الأكبر، أو كان يهوديا ثم أسلم ، أو هو الدجال حقيقة ، أو أنه شيطان تبدى في صورة الدجال .
وذلك لأن العلامات المذكورة في أحاديث الدجال في وصف الدجال : إنما تجتمع كلها عند خروجه وظهور فتنته .
أما قبل ذلك فيجوز وجوده دون استيفاء باقي الصفات ، لكون أن الله لم يأذن بعد بخروجه .
والله أعلم .
تعليق