الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز غسل الفم والأنف بشكلٍ منفصلٍ في الوضوء؟

274687

تاريخ النشر : 22-01-2018

المشاهدات : 29898

السؤال

هل يجوز غسل الفم والأنف بشكلٍ منفصلٍ أثناء الوضوء، كما ذُكر في الحديث الذي رواه عبدة بن أبي لبابة، سمعت شقيق بن سلامة أنه قال: رأيت عليّ وعثمان رضي الله عنهما يغسلان أعضاء الوضوء ثلاثاً، ثم قالا هذا هو وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. قال شقيق: غسلا الفم والأنف بشكلٍ منفصل. تاريخ ابن أبي خيثمة (4419)، أيضاً ذكر في مسند ابن حنبل (3406) والأحاديث المختارة (347). ذكر هذا الحديث في كتيباتٍ عن الصلاة في منطقتي، أريد أن أعرف هل هو حديثٌ صحيح؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  الأحاديث الصحيحة الصريحة تدل على أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كان بغرفة واحدة للمضمضة والاستنشاق، فيستحب للمتوضئ الجمع بينهما . فإن شاء أن يفصل بينهما فلا حرج عليه ؛ لأن الكيفية في غَسل العضو غير واجبة . وأما ما ورد من أحاديث في الفصل فغير ثابتة .

الجواب

الحمد لله.

أولا :

يجوز للمتوضئ أن يفصل بين المضمضة والاستنشاق ، فيتمضمض بغرفة ، ويستنشق بغرفة أخرى .

والأفضل أن يجمع بينهما ، فيتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة ، يجعل بعضها لفمه ، والبعض الآخر لأنفه ؛ لثبوت أحاديث الجمع بينهما ، وهي أقوى وأصح من أحاديث الفصل بينهما .

وينظر جواب السؤال (115745) .

ثانيا :

رُويت أحاديث تدل على فصل المضمضة عن الاستنشاق ، ولكنها ضعيفة ؛ لا تقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة الثابتة في الجمع بينهما .

ومن الأحاديث الواردة في الفصل : الحديث المذكور في السؤال ، وهو حديث غريب غير موجود في كتب السنة المشهورة ، ولذلك أنكره ابن الصلاح .

قال ابن حجر : " أنكره ابن الصَّلَاحِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ ، فَقَالَ : لَا يُعْرَفُ ، وَلَا يَثْبُتُ ، بَلْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ ضِدَّهُ" .

لكن ابن حجر تعقّب ابن حجر نفي ابن الصلاح له ، بقوله :

" قُلْت: رَوَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فِي صِحَاحِهِ مِنْ طَرِيق أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : شَهِدْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّآ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ، وَأَفْرَدَا الْمَضْمَضَةَ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ ، ثُمَّ قَالَا : "هَكَذَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأ" .

فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَصْلِ ، فَبَطَلَ إنْكَارُ ابْنُ الصَّلَاحِ" انتهى من "التلخيص الحبير" (1/134) .

وقد شكك الشيخ الألباني رحمه الله في صحة الحديث بهذا اللفظ ، لكونه مخالفا للألفاظ الواردة في الكتب المشهورة ، فقال بعد أن أورد كلام ابن حجر السابق :

" وجدته في " المختارة " (1/126) من طريق ابن ثوبان عن عبْدة بن أبي لُبابة عن شقيق عن عثمان وحده .

قلت: لكني أشك في ثبوت ذكر المضمضة والاستنشاق في هذا الحديث!

فقد أخرجه ابن ماجه (1/161) ، والطحاوي (1/17) من طريق ابن ثوبان عن عبدة بن أبي لبابة عن شقيق بن سلمة قال: "رأيت عثمان وعلياً يتوضآن ثلاثا ثلاثاً، ويقولان: هكذا كان وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" .

وإسناده حسن؛ وابن ثوبان: هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو حسن الحديث إذا لم يخالف.

وهو عند الحاكم والدارقطني والبيهقي من طريق أخرى عن شقيق بن سلمة عن عثمان وحده؛ بلفظ : "فمضمض واستنشق ثلاثاً..." الحديث، ليس فيه التفصيل المذكور عند أبي علي .

وأصله عند المصنف في الكتاب الآخر [يعني : صحيح أبي داود] (رقم 98) بإسناد حسن .

واللّه تعالى أعلم " انتهى من "ضعيف سنن أبي داود" (1/45) .

وقال أيضا : "وأما الفصل؛ فلم يثبت فيه حديث أصلاً" انتهى من "ضعيف أبي داود" (1/45) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

"وَكَانَ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ، تَارَةً بِغَرْفَةٍ، وَتَارَةً بِغَرْفَتَيْنِ، وَتَارَةً بِثَلَاثٍ. وَكَانَ يَصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، فَيَأْخُذُ نِصْفَ الْغَرْفَةِ لِفَمِهِ وَنِصْفَهَا لِأَنْفِهِ، وَلَا يُمْكِنُ فِي الْغَرْفَةِ إِلَّا هَذَا .

وَأَمَّا الْغَرْفَتَانِ وَالثَّلَاثُ فَيُمْكِنُ فِيهِمَا الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ .

إِلَّا أَنَّ هَدْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ الْوَصْلَ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا" ، وَفِي لَفْظٍ: "تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ" .

فَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ .

وَلَمْ يَجِئِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ الْبَتَّةَ .

لَكِنْ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ" .

وَلَكِنْ لَا يُرْوَى إِلَّا عَنْ طلحة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، وَلَا يُعْرَفُ لِجَدِّهِ صُحْبَةٌ" انتهى من "زاد المعاد" (1/185) .

وقال النووي رحمه الله : "وأما الفصل : فلم يثبت فيه حديث أصلا ، وإنما جاء فيه حديث طلحة بن مصرف ، وهو ضعيف" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (1/360) .

والقول بالفصل بينهما ، هو مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك .

وبسبب انتشار مذهب أبي حنيفة رحمه الله في بلادكم ، فقد طبع هذا الكتيب على مذهبه ، واتبع كاتبُه علماءَ المذهب الحنفي .

والقول بالجمع بينهما هو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد ، وذهب إليه بعض المالكية .

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (38/ 105)

"قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ الْفَصْل بَيْنَهُمَا ، بِأَنْ يَتِمَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِثَلاَثِ غَرَفَاتٍ، أَيْ أَنْ تَتِمَّ الْمَضْمَضَةُ بِثَلاَثِ وَالاِسْتِنْشَاقِ بِثَلاَثِ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَاقَ مُسْتَحَبَّانِ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا" انتهى .

وقال القرافي المالكي رحمه الله: "كيفية المضمضة والاستنشاق: أحدهما: يتمضمض ثلاثا ، بثلاث غرفات ، ويستنشق ثلاثا كذلك . وهو قول مالك رحمه الله تعالى .

والثاني ، لأصحابه : غرفة واحدة لهما" انتهى من الذخيرة للقرافي (1/ 276).

وهذا الخلاف إنما هو في الأفضل والأكمل ، وإلا ، فإنه إذا جمع بينهما ، أو فصل : فقد أتى بأصل السنة التي هي المضمضة والاستنشاق .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"فإن شاء المتوضئ تمضمض واستنشق من ثلاث غرفات ، وإن شاء فعل ذلك ثلاثا بغرفة واحدة ؛ لما ذكرنا من الأحاديث .

وإن أفرد المضمضة بثلاث غرفات ، والاستنشاق بثلاث ، جاز ؛ لأن الكيفية في الغسل غير واجبة" انتهى من المغني (1/170) .

وقال النووي رحمه الله: "اتفق نص الشافعي والأصحاب : على أن سنتهما تحصل بالجمع والفصل ، وعلى أي وجه أوصل الماء إلى العضوين" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (1/ 358).

وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي لا إنكار فيها على المخالف ، فكل مسلم يفعل ما يراه أقرب إلى السنة – إن كان من طلبة العلم- أو يقلد من يثق في دينه وعلمه من العلماء ، أو يتابع علماء بلده ومذهبه الذي نشأ عليه ، ولا حرج عليه في ذلك .

والخلاصة :

الأحاديث الصحيحة الصريحة تدل على أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كان بغرفة واحدة للمضمضة والاستنشاق، فيستحب للمتوضئ الجمع بينهما .

فإن شاء أن يفصل بينهما فلا حرج عليه ؛ لأن الكيفية في غَسل العضو غير واجبة .

وأما ما ورد من أحاديث في الفصل فغير ثابتة .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب