الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

شبهة حول الحجاب وأنه إنما شرع لدفع الأذى وقد زال

275882

تاريخ النشر : 23-01-2018

المشاهدات : 78340

السؤال

قال تعالى :( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما * لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) واجهتني بعض الشبه ، ولم أستطع الإجابة بجواب وافي وشافي . 1 : أن هذه الآيات تختص في المدينة فقط أي لعلة وجود المنافقون ، ويقولون قول الله تعالى ( في المدينة ) أي فقط نساء المدينة ، وأن هذا التشريع لزمان معين لغرض معين انتهى وزال ؛ لأن المنافقين آذوا المسلمات في المدينة ، وليس في مكان آخر . 2 : أن هناك علة أخرى هي وجود الأذية ، ويقولون في أوربا لا يوجد أذية مثلا ، فيحق لهن لبس مايردن من لباس أهل البلد ، فمثلا في أوربا يرتدين لباس أهل أوربا ، وفي مكة لباس أهل مكة . أرجو الرد على الشبه ، والتي يتداولها الكثير من الناس ، وتلقى قبولا واسعا لدى من في نفسه مرض ، ومن يحبون أن تشيع الفاحشة .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أمر الله النساء بالحجاب في آية الأحزاب، وآية النور، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب / 59

وقال سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور/31

وقد امتثل المسلمون لذلك الأمر الشرعي، وسارعت نساء المؤمنين إلى تطبيقه.

قال البخاري رحمه الله في صحيحه :" بَاب ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا ).

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 489): " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي صَنَعَ ذَلِكَ نِسَاء الْمُهَاجِرَات ، لَكِنْ فِي رِوَايَة صَفِيَّة بِنْت شَيْبَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ ذَلِكَ فِي نِسَاء الْأَنْصَار كَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ . قَوْله : ( مُرُوطهنَّ ) جَمْع مِرْط وَهُوَ الْإِزَار ، وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة " أُزُرهنَّ " وَزَادَ : " شَقَقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي " . قَوْله : ( فَاخْتَمَرْنَ ) أَيْ غَطَّيْنَ وُجُوهَهُنَّ ; وَصِفَة ذَلِكَ أَنْ تَضَع الْخِمَار عَلَى رَأْسهَا وَتَرْمِيه مِنْ الْجَانِب الْأَيْمَن عَلَى الْعَاتِق الْأَيْسَر وَهُوَ التَّقَنُّع ، قَالَ الْفَرَّاء : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة تُسْدِل الْمَرْأَة خِمَارهَا مِنْ وَرَائِهَا وَتَكْشِف مَا قُدَّامهَا ، فَأُمِرْنَ بِالِاسْتِتَارِ " انتهى .

ثانيا:

قوله تعالى : (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) معناه أن لبسهن للحجاب أقرب إلى أن يعرفن أنهن حرائر لا إماء، وكان بعض الفجار في المدينة يتعرضون للمؤمنات يظنون أنهن من الإماء.

قال القرطبي رحمه الله: "لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف فيقع الفرق بينهن وبين الإماء، فتعرف الحرائر بسترهن، فيكف عن معارضتهن من كان عزبًا أو شابا. وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة، فتصيح به فيذهب، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ونزلت الآية بسبب ذلك. قال معناه الحسن وغيره" انتهى من تفسير القرطبي (14/ 243).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: "قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) الآية. سبب نزولها:

أن الفُسَّاق كانوا يؤذون النساء إِذا خرجن بالليل، فاذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا: هذه حُرَّة، وإِذا رأوها بغير قناع قالوا: أَمَة، فآذَوها، فنزلت هذه الآية، قاله السدي.

قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) قال ابن قتيبة: يَلْبَسْنَ الأردية. وقال غيره: يغطين رؤوسهنّ ووجوههنّ ليُعلَم أنهنَّ حرائر (ذلِكَ أَدْنى) أي: أحرى وأقرب (أَنْ يُعْرَفْنَ) أنهنَّ حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) " انتهى من زاد المسير (3/ 484).

فهذا هو سبب نزول الآية، وأن الحجاب شرع لحماية المؤمنات وصيانتهن وإظهار عفافهن ومنع الفساق من التعرض لهن.

ولا يعني هذا انتهاء الحكم بانتهاء السبب الذي شرع ابتداء له، فإن من القواعد المقررة عند أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

والمراد بذلك أن الآية إذا كانت عامة بلفظها ، فلا يقصر حكمها على السبب الخاص الذي شرعت ابتداء لأجله.

فقوله تعالى: (ونساء المؤمنين) لفظ عام يشمل كل مؤمنة إلى قيام الساعة ، فلا يجوز قصره على النساء الموجودات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم اعتمادا على سبب نزول الآية السابق.

ولو قيل بقصر الآيات العامة على أسبابها الخاصة لأدى ذلك إلى تعطيل كثير من الأحكام ، ولما كان القرآن عاما لجميع الخلق صالحا لكل زمان ومكان . فآيات الظهار - مثلا- سبب نزولها هو ظهار أوس بن الصامت من زوجته ، فلا يقال إن حكمها مختص به وبزوجته . وهكذا آيات المواريث والجهاد واللعان والقذف والمحاربة نزلت على أسباب معينة، وقد اتفقت الأمة على أن حكمها عام باق إلى قيام الساعة. (ينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (31/ 28)، وشرح الأصول من علم الأصول للشيخ ابن عثيمين ص 262).

ولو قيل بقصر هذه الآيات على سببها، لما كان الحجاب واجبا على المؤمنات بعد تمكن الإسلام في المدينة، وانتفاء الأذى للنساء، وهذا لا قائل به، ولا شاهد عليه، فلم ينقل عن مؤمنة أنها تركت الحجاب في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أو في عهد أبي أو عمر بحجة انتفاء الأذى!

مع أننا لا نسلم بزوال السبب الذي شرع الحجاب له ابتداء، وهو تعرض الفجار للنساء الكاشفات، وانكفافهن عن النساء المستورات، فإن هذا باق إلى اليوم، فمن أبدت زينتها وكشفت عن مفاتنها، فقد أغرت بها الفساق، ودعتهم إلى النظر إليها والافتتان بها. ومن كانت محتجبة بجلبابها الساتر كانت أبعد عن الأذى والملاحقة بالنظر وغيره.

ثم إن آية الأحزاب ليست هي الأمر الوحيد بالحجاب، فثمة آية النور، وليس فيها ذكر سبب الحكم، وكذلك ما جاء في السنة، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم (2128).

وفيه تحريم التبرج، ووجوب الستر، والوعيد الشديد على تركه.

والحاصل أن هذه الشبهة يمكن إيردها على عشرات الأحكام التي شرعت ابتداء لسبب معين، فيدعى انتهاؤها بانتهاء السبب، فتكون الشريعة قاصرة خاصة بزمن معين أو مكان معين، وهذا

باطل قطعا.

ثالثا:

الأدلة على وجوب الحجاب للنساء كثيرة ، من الكتاب ، والسنة ، وإجماع أهل العلم ، وأقوال السلف والعلماء ، قديما وحديثا .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (13998) ورقم (6991)

والذي يعنينا أن نقرره هنا : أن فريضة الحجاب على النساء : ثابتة ، بمختلف الأدلة الشرعية ، وهي فريضة محكمة ، لم تنسخ ، ولم تُغير ، بإجماع المسلمين .

قال الإمام محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله ، في "الروض الباسم" ( 1/ 202) : " وأجمعوا على وجوب الحجاب للنساء" . انتهى .

وقد توارد عمل المسلمين قاطبة ، في الأمصار كلها ، وعلى مر الأزمان بالحجاب ، يرونه فريضة شرعية لازمة للمرأة .

وتوارد تأكيده على التزام الحجاب الكامل ، بتغطية الوجه والكفين ، عند خوف الفتنة ، مع وجود الخلاف المعتبر في أصل المسألة ؛ دون نظر إلى حال دون حال ، أو شخص دون شخص . 

قال الإمام أبو المعالي الجويني رحمه الله :

" والنظر إلى الوجه والكفين : يحرم عند خوف الفتنة ، إجماعاً .

فإن لم يظهر خوف الفتنة : فالجمهور يرفعون التحريم، لقوله تعالى: إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور: 31] قال أكثر المفسرين: الوجه والكفان، لأن المعتبر الإفضاء في الصلاة، ولا يلزمهن ستره، فيلحق بما يظهر من الرجال.

وذهب العراقيون وغيرهم إلى تحريمه من غير حاجة.

قال : وهو قوي عندي، مع اتفاق المسلمين على منع النساء من التبرج والسفور وترك التنقب . ولو جاز النظر إلى وجوههنّ لكُنَّ كالمُرد ، ولأنهنّ حبائل الشيطان، واللائق بمحاسن الشريعة حسم الباب وترك تفصيل الأحوال، كتحريم الخلوة تعمّ الأشخاص والأحوال ، إذا لم تكن محرميّة. وهو حسن " انتهى ، من "نهاية المطلب" (12/31) .

وقال تلميذه ، أبو حامد الغزالي : ".. لم يزل الرجال على ممر الأزمان مكشوفي الوجوه ، والنساء يخرجن متنقبات " انتهى ، من "إحياء علوم الدين" ( 2/53 ) .

وقال الموزعي الشافعي ، اليماني : " ولم يزلْ عملُ الناسِ على ذلك قديماً وحديثاً في جميعِ الأمصارِ والأقطارِ : فيتسامحون للعجوزِ في كَشْفِ وَجْهِها، ولا يتسامَحون للشابَّةِ، ويرونَهُ عورة مُنْكَراً. " . انتهى ، من "تيسير البيان لأحكام القرآن" (4/77) .

وقال الإمام أبو حيان الأندلسي : " .. وكذا عادة بلاد الأندلس ؛ لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة " . انتهى ، من البحر المحيط ( 7/ 240 ) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب " . انتهى، من "فتح الباري" (4/324) .

وينظر :

www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=130873

وينظر أيضا للفائدة : جواب السؤال رقم (222000) ورقم (210408).

فانظر إلى توارد العلماء ، من مختلف الأقطار ، من العراق ، وخراسان ، واليمن ، ومصر والأندلس ، وغيرها من بلاد الإسلام ، على حكاية التزام نساء الملسمين بالحجاب التام .

وهذا وحده كاف في رد هذه الشبهة الباطلة .

وقد قال الله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/115

وينظر حول حجية الإجماع في تلقي الدين ، وفهمه : جواب السؤال رقم (197937) ورقم (220616).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب