الحمد لله.
لا شك أن الألفاظ لها أثر كبير في صياغة أفكار ومشاعر وسلوك الإنسان ، سواء كانت إيجابية أم سلبية ؛ ولذا اعتنت الشريعة عناية فائقة بضبط الألفاظ ، وذلك بدرء الألفاظ السلبية وإلغائها ، وجلب الألفاظ الإيجابية وتكثيرها .
قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) البقرة/83
وقال تعالى : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) النساء/5
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الأحزاب/70-71
وعَنْ أَنَس بن مالك رضي الله عنه ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ" قَالَ قِيلَ: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: "الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ) .
رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) .
وفي رواية عندهما : ( الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ ) .
وعلى كل حال ؛ فتكرار المباني الإيجابية : له أثر معرفي في فهمها ، وأثر شعوري في حبها ، وأثر سلوكي في العمل بها ؛ ولكن لا ينبغي أن تعتمد كليا على مجرد تكرار اللفظ فحسب ، بل ينبغي أن تتأملي جيدا في منشأ أفكارك السلبية تجاه المذاكرة ، والمشاعر السلبية المترتبة عليها ، وتسعي جاهدة في تغيير الأنماط السلوكية المترتبة على هذه الأفكار والمشاعر .
فمثلا لو أن أحدهم تفكر في نفسه سلبا فقال : ( أنا فاشل ) ، سيترتب على ذلك مشاعر سلبية تتمثل في الإحباط والضيق ، مما يؤدي بالمرء لسلوك سلبي يتمثل في الإعراض عن المذاكرة لقناعته الداخلية بأنه فاشل !
فالواجب والحالة هذه أن يجتهد في تغيير هذه الفكرة السلبية ، مع إعادة تنظيم مشاعره وسلوكه المترتب على هذه الفكرة .
فقد ثبت علميا أن تغيير السلوك : له أثر كبير في تغيير الأفكار والمشاعر ، حتى وإن لم نتدخل بشكل مباشر في تغييرهما !
والحاصل أن الشرع حث على تجنب التعابير السلبية ، واستعمال التعابير الإيجابية
ومن هذا الباب ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ
رواه البخاري 5409 ومسلم (2064) .
فإن عيب الطعام ، هو "تعبير سلبي" ، وأيضا : "موقف سلبي" منه ...
وإظهار هذا الشعور السلبي ، ونشر التعبير السلبي : من شأنه أن يؤثر في نفوس الآخرين ، فتتكرهه ، من غير أن يكون هناك سبب للنفرة منه : إلا التأثر بما سمعته من التقييم والشعور السلبي ...
قال ابن بطال (9/478) : " وقد يكره بعض الناس من الطعام مالايكرهه غيره .." انتهى.
وعليه فمجرد تجنب التعابير السلبية المتعلقة بالمذاكرة أمر حسن ، والزيادة على ذلك بالتعابير الإيجابية أحسن وأفضل ، والأكمل في تحقيق المراد ، والعمل الإيجابي : أن يسعى في الأخذ بأسباب الخير، ويعمل به ، ويجتنب أسباب الشر، والنقص ، والكسل ، وكل باطل ، لا خير فيه.
هذا مع التنبه لأهمية التوكل على الله تعالى في هذا الباب ، والثقة برحمته وقدرته سبحانه ، والتبرؤ من حولك وقوتك ، وعدم الركون لقوة النفس ، أو ما عرف في زماننا بقوة العقل الباطن ، ذلك بأن من صور المبالغات في تعظيم القدرات البشرية ما تشير إليها فلسفات الطاقة الكونية إلى إمكانية تحكم الإنسان التام في حاضره ومستقبله ، وهذا ما صاغه هؤلاء في صورة ما يسمى عندهم بقانون الجذب law of attraction ، وهو قانون يزعم أنصاره أن الإنسان قادر على اجتذاب كل ما يريده من الحياة ، إن أراده وركز تماما في إرادته ، وذلك من خلال ذبذبات الطاقة المنبعثة من هذا الإنسان للشيء الذي يريده !
وهذا غلو في النزعة القدرية ، والغفلة عن إرادة الله جل جلاله ، ومشيئته العامة ، وتقديره لأمر عباده ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، سبحانه ، وجل شانه .
قال تعالى : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/28-29
وقال تعالى : ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) الإنسان 29-30
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (276254).
والله الموفق
تعليق