الأربعاء 11 محرّم 1446 - 17 يوليو 2024
العربية

هل يلزم من إثبات لوازم الصفات، نفي معناها الحقيقي ؟

277531

تاريخ النشر : 24-12-2017

المشاهدات : 7546

السؤال

هل يجوز تفسير وجه الله بقوته ، أو يد الله بقوته مع إثبات أن لله وجها حقيقيا ، وأن له يدا حقيقية تليق بجلاله ، واشرحوا لي من فضلكم ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  قد يثبت العالم اللازم، ولا يقصد نفي الصفة، وهذا شائع في التفسير، وقد يذكر اللازم ويقصد نفي الصفة، ويتبين هذا بمعرفة اعتقاد العالم، مع السياقات وقرائن الأحوال.

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

لا بد أن تعلم أيها السائل الكريم، أن "لفظ" الصفة ، من صفات الله ، كالوجه ، أو اليد ، أو غيرها : إذا ذكرت في موطن معين فقد يراد بها نفس معنى الصفة ، لا غيرها ، فحملها على معنى آخر ، حتى مع إثبات أصل الصفة : خطأ في التأويل ، وفيه فتح لباب التأويل البدعي الباطل .

وذلك مثل قوله تعالى لإبليس: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)، فإن المراد هنا أن الله اختص آدم – عليه السلام – بخلقه بيديه، ولا يجوز أن يراد نعمته ولا قوته، سواء أكان الشخص يثبت الصفة ، أو يتأولها .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " لفظ " اليدين " بصيغة التثنية : لم يستعمل في النعمة ، ولا في القدرة؛ لأن من لغة القوم استعمال الواحد في الجمع ، كقوله: (إن الإنسان لفي خسر) ، ولفظ الجمع في الواحد كقوله: (الذين قال لهم الناس إن الناس) ، ولفظ الجمع في الاثنين ، كقوله: (صغت قلوبكما) ، أما استعمال لفظ الواحد في الاثنين ، أو الاثنين في الواحد : فلا أصل له؛ لأن هذه الألفاظ عدد ، وهي نصوص في معناها ، لا يُتجوز بها ، ولا يجوز أن يقال: عندي رجل ، ويعني رجلين ، ولا عندي رجلان ، ويعني به الجنس؛ لأن اسم الواحد يدل على الجنس، والجنس فيه شياع ، وكذلك اسم الجمع فيه معنى الجنس ، والجنس يحصل بحصول الواحد. فقوله: (لما خلقت بيدي) : لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لأن القدرة صفة واحدة ، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد.

ولا يجوز أن يراد به النعمة ، لأن نعم الله لا تحصى؛ فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية.

ولا يجوز أن يكون " لما خلقت أنا " ؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد ، فتكون إضافته إلى اليد ، إضافة له إلى الفعل ، كقوله: (بما قدمت يداك) ، (بما قدمت أيديكم) ، ومنه قوله: (مما عملت أيدينا أنعاما) .

أما إذا أضاف الفعل إلى الفاعل ، وعدى الفعل إلى اليد بحرف الباء ، كقوله: (لما خلقت بيدي) فإنه نص في أنه فعل الفعل بيديه ، ولهذا لا يجوز لمن تكلم أو مشى: أن يقال فعلت هذا بيديك، ويقال: هذا فعلته يداك ؛ لأن مجرد قوله: (فعلت) : كاف في الإضافة إلى الفاعل ؛ فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة : كان ذلك زيادة محضة ، من غير فائدة .

ولست تجد في كلام العرب ولا العجم - إن شاء الله تعالى - أن فصيحا يقول: فعلت هذا بيدي، أو فلان فعل هذا بيديه ، إلا ويكون : فَعَله بيديه حقيقة.

ولا يجوز أن يكون لا يد له ، أو أن يكون له يد والفعل وقع بغيرها.

وبهذا الفرق المحقق تتبين مواضع المجاز ومواضع الحقيقة؛ ويتبين أن الآيات لا تقبل المجاز ألبتة من جهة نفس اللغة " ، مجموع الفتاوى: (6/ 365 – 366) .

ثانيًا :

وقد تذكر اللفظة ، ولا يكون المراد بها الصفة ؛ بل يراد بها معنى آخر .

وذلك مثل قوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه) : فإنه هنا ذكر الصفة ، وأراد الموصوف ، وهو الله تعالى .

ولا يكون هذا التعبير صحيحا لغويا إلا لو كانت الصفة ثابتة للموصوف، ففي هذه الحالة لو أثبت الصفة، وقلت : إن المراد – في هذا السياق المعين - : الذات ؛ فتأويلك صحيح .

يقول الشيخ محمد خليل هراس: " واستدلت المعطلة بهاتين الآيتين على أن المراد بالوجه الذات؛ إذ لا خصوص للوجه في البقاء وعدم الهلاك.

ونحن نعارض هذا الاستدلال بأنه لو لم يكن لله عز وجل وجه على الحقيقة ، لما جاء استعمال هذا اللفظ في معنى الذات؛ فإن اللفظ الموضوع لمعنى ، لا يمكن أن يستعمل في معنى آخر ، إلا إذا كان المعنى الأصلي ثابتا للموصوف، حتى يمكن للذهن أن ينتقل من الملزوم إلى لازمه " شرح الواسطية: (114) .

وكذلك قوله تعالى ( بيده الملك ) : فإنه يجوز تأويلها : في سلطانه ، أو في قدرته ، أو نحو ذلك ؛ من غير أن يلزم من ذلك نفي صفة اليد عن الله جل جلاله ، بل ذلك يدل ـ بطريق اللزوم ـ على إثبات الصفة .

يقول شيخ الإسلام : " ومن ذلك أنهم إذا قالوا: بيده الملك ، أو عملته يداك ، فهما شيئان: (أحدهما) إثبات اليد .

و(الثاني) إضافة الملك والعمل إليها .

و(الثاني) : يقع فيه التجوز كثيرا .

أما (الأول) : فإنهم لا يطلقون هذا الكلام إلا لجنس له " يد " حقيقة ، ولا يقولون: " يد " الهوى ولا " يد " الماء ؛ فهب أن قوله: بيده الملك ، قد علم منه أن المراد بقدرته ؛ لكن لا يتجوز بذلك إلا لمن له يد حقيقة " مجموع الفتاوى؛ (6/ 370)

ثالثًا :

وقد يذكر نفس لفظ الصفة وتكون الصفة غير مرادة أصلا، فيكون حينها عد الآية من آيات الصفات خطأ، وذلك مثل قوله تعالى: ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ؛ فإن المراد على الصحيح وجهة الله .

يقول شيخ الإسلام : " وليست هذه الآية من آيات الصفات. ومن عدها في الصفات فقد غلط ، كما فعل طائفة؛ فإن سياق الكلام يدل على المراد حيث قال: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) .

والمشرق والمغرب : الجهات ، والوجه : هو الجهة؛ يقال : أيّ وجه تريده؟ أي : أيّ جهة .

وأنا أريد هذا الوجه ، أي : هذه الجهة ، كما قال تعالى: (ولكل وجهة هو موليها) ، ولهذا قال: (فأينما تولوا فثم وجه الله) أي تستقبلوا وتتوجهوا "،  مجموع الفتاوى؛ (3/ 193) .

وخلاصة الأمر:

أن كل موضع يرجع فيه لسياقه، وأحواله، فقد يثبت العالم اللازم، ولا يقصد نفي الصفة، وهذا شائع في التفسير، وقد يذكر اللازم ، ويقصد نفي الصفة، ويتبين هذا بمعرفة اعتقاد العالم، مع ما قررناه سابقًا .

يقول ابن تيمية : " فإنه كثيرا ما يغلط الناس في هذا الموضع ؛ إذا تنازع النفاة والمثبتة في صفة، ودلالة نص عليها .

يريد المثبت أن يجعل ذلك اللفظ - حيث ورد - دالا على الصفة ، وظاهرا فيها.

ثم يقول النافي: وهناك لم تدل على الصفة ؛ فلا تدل هنا.

وقد يقول بعض المثبتة: دلت هنا على الصفة ، فتكون دالة هناك؛ بل لما رأوا بعض النصوص تدل على الصفة ، جعلوا كل آية فيها ما يتوهمون أنه يضاف إلى الله تعالى - إضافة صفة - من آيات الصفات. كقوله تعالى: (فرطت في جنب الله) .

وهذا يقع فيه طوائف من المثبتة والنفاة ، وهذا من أكبر الغلط ؛ فإن الدلالة في كل موضع بحسب سياقه ، وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية .
وهذا موجود في أمر المخلوقين ؛ يراد بألفاظ الصفات منهم ، في مواضع كثيرة ، غير الصفات . وأنا أذكر لهذا مثالين نافعين :

(أحدهما) : صفة الوجه ؛ فإنه لما كان إثبات هذه الصفة مذهب أهل الحديث والمتكلمة الصفاتية، من الكلابية والأشعرية والكرامية ، وكان نفيها مذهب الجهمية، من المعتزلة وغيرهم ، ومذهب بعض الصفاتية من الأشعرية وغيرهم = صار بعض الناس من الطائفتين ، كلما قرأ آية فيها ذكر (الوجه) : جعلها من موارد النزاع ؛ فالمثبت يجعلها من الصفات التي لا تُتأول بالصرف ، والنافي يرى أنه إذا قام الدليل على أنها ليست صفة ، فكذلك غيرها.

مثال ذلك : قوله تعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) . أدخلها في آيات الصفات طوائف من المثبتة والنفاة ، حتى عدها أولئك ، كابن خزيمة ، مما يقرر إثبات الصفة ، وجعل النافية تفسيرها بغير الصفة ، حجة لهم في موارد النزاع " مجموع الفتاوى؛ (6/ 14 – 15) .


والخلاصة

قد يثبت العالم اللازم، ولا يقصد نفي الصفة، وهذا شائع في التفسير، وقد يذكر اللازم ويقصد نفي الصفة، ويتبين هذا بمعرفة اعتقاد العالم، مع السياقات وقرائن الأحوال.
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب