الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

الجلوس بين السجدتين، وصفته

278664

تاريخ النشر : 15-10-2017

المشاهدات : 58267

السؤال

ما حكم ما يقوم به بعض الناس من إنحناء الظهر بالقرب من الأرض عند الرفع من السجود أي في الجلسة بين السجدين، وذلك بدلا من الجلوس جيدا باستقامة الظهر؛ حيث صلت امرأة أمامي بهذه الكيفية ، وأود نصحها ، ولكن بعد التأكد من الحكم ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الجلوس بين السجدتين من الأركان الواجبة في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به الرجل الذي أساء في صلاته.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ وَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ (ثَلاَثًا)، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي.

فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا ) رواه البخاري (757) ومسلم (397).

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بالجلوس بين السجدتين وبالاطمئنان فيه.

وعن رفاعة بن رافع، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ فِيهِ: ( فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ ) رواه أبو داود (857) والنسائي (1136)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (857).

والأصل في الأمر الوجوب، وعلى هذا جماهير أهل العلم.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

" تكرر من الفقهاء الاستدلال على وجوب ما ذكر في الحديث " انتهى، من "احكام الأحكام" (1 / 234).

ولذا ذهب الحنابلة والشافعية إلى وجوب هذا الجلوس، كما في "المغني" لابن قدامة (2 / 204 - 205)، و "المجموع" للنووي (3 / 437).

وذهب إلى هذا القول طائفة من المالكية والحنفية.

ينظر : "مواهب الجليل" في الفقه المالكي (2 / 215 - 216) ، و"حاشية ابن عابدين" في المذهب الحنفي (1 / 464 - 465) .

بل صرح الحنابلة بأن هذه الجلسة بين السجدتين من أركان الصلاة ، التي لا تسقط بحال .

جاء في "مطالب أولي النهى" : " (فَصْلٌ) تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ: مَا لَا يَسْقُطُ عَمْدًا، وَلَا سَهْوًا، وَلَا جَهْلًا، وَهِيَ: الْأَرْكَانُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا، فَشُبِّهَتْ بِرُكْنِ الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَقُومُ إلَّا بِهِ ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهَا فُرُوضًا، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ .. " .

ثم ذكر أن الأركان المذكورة : أربعة عشر ركنا ، قال :

" وَ (الثَّامِنُ: الرَّفْعُ مِنْهُ) ، أَيْ: السُّجُودِ.

وَ (التَّاسِعُ: الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا .

وَ (الْعَاشِرُ: الطُّمَأْنِينَةُ فِي كُلِّ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) مِنْ الرُّكُوعِ، وَالِاعْتِدَالِ عَنْهُ، وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مِتَّ؛ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَهِيَ) أَيْ: الطُّمَأْنِينَةُ: (السُّكُونُ وَإِنْ قَلَّ) . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا، وَطُمَأْنِينَةً، أَيْ: سَكَنَ..." انتهى، من "مطالب أولي النهى" (1/496-498) ، وينظر : "كشاف القناع" (1/385) وما بعدها .

ثانيا:

سبق في بيان الأركان : أن الجلسة بين السجدتين ، والطمأنينة لها واجبان ، أو ركنان من أركان الصلاة ، على ما صرح به الحنابلة .

وحد الطمأنينة : أن يسكن في جلسته ، أدنى سكون معتبر ، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له :  ( ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ) .

وفي رواية ابن خزيمة (590) : ( ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ جَالِسًا ) .

فبان أن المطلوب من الجلسة بين السجدتين : أن يعتدل فيه ، وأن يطمئن ويسكن في اعتداله ذلك .

فإذا لم يعتدل الاعتدال الواجب ، بل بقي حاله إلى السجود أقرب منه إلى الجلوس ، فقد صرحوا ببطلان صلاته .

قال الرملي رحمه الله : " مَتَى انْحَنَى حَتَّى خَرَجَ مِنْ حَدِّ الْقِيَامِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لِتَلَاعُبِهِ .

وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي السُّجُودِ " . انتهى، من "نهاية المحتاج" (2/48) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب