الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

شروط تنفيذ القصاص ومتى يحرم إقامته

280215

تاريخ النشر : 13-10-2017

المشاهدات : 112985

السؤال

هل هناك مواضيع يكره فيها القصاص؟ مع ذكر بعض المراجع لو تكرمتم ، فقد مثَّل لي من الباحثين بـما لو كان في جهاد ، أو أن يهرب الجاني إلى العدو .

الجواب

الحمد لله.

القصاص له شروط وجوب، وشروط استيفاء، فقد يجب القصاص، ولكن يؤخر استيفاؤه (تنفيذه) لعدم توفر شروط الاستيفاء، فيحرم تنفيذه حينئذ.

قال الحجاوي رحمه الله في بيان شروط وجوب القصاص:

" باب شروط القصاص، وهي خمسة:

أحدها: أن يكون الجاني مكلفا، فأما الصبي ، والمجنون ، وكل زائل العقل بسبب يعذر فيه ، كالنائم والمغمى عليه ونحوهما - فلا قصاص عليهم.

الثاني: أن يكون المقتول معصوما، فلا يجب قصاص ولا دية ولا كفارة ، بقتل حربي ولا مرتد قبل توبة.

الثالث: أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني، وهو أن يساويه في الدين والحرية أو الرق، فيقتل المسلم الحر ، والذمي الحر ، بمثله، ويقتل العبد بالعبد: المسلم بالمسلم ، والذمي بالذمي.

الرابع: ألا يكون المقتول من ذرية القاتل، فلا يقتل والد: أبا كان ، أو أما ، وإن علا ، بولده وإن سفل ، من ولد البنين أو البنات . وتؤخذ من حر الدية . ولا تأثير لاختلاف الدين والحرية ، كاتفاقهما ، فلو قتل الكافر ولده المسلم ، أو العبد ولده الحر = لم يجب القصاص.

الخامس: أن تكون الجناية عمدا" انتهى من "الإقناع" (4/ 173- 180) مختصرا.

فإذا توفرت هذه الشروط وجب القصاص .

لكنه لا يستوفى (أي لا ينفّذ) إلا بتوفر شروط أخر.

قال في الإقناع (4/ 181) في بيان شروط تنفيذ القصاص:

"وله ثلاثة شروط:

أحدها: أن يكون مستحقه [ = يعني : ورثة المقتول ] مكلفا، فإن كان صغيرا أو مجنونا : لم يجز استيفاؤه. ويحبس القاتل حتى يبلغ الصغير ، ويعقل المجنون، وليس لأبيهما استيفاؤه.

الثاني: اتفاق المستحقين له على استيفائه، وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض.

الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير الجاني، فلو وجب القود أو الرجم على حامل، أو حملت بعد وجوبه : لم تقتل حتى تضع الولد ، وتسقيه اللِّبَأَ" انتهى مختصرا.

وعلم من هذا : أنه يجب تأخير تنفيذ القصاص إذا كان ولد المجني عليه صغيرا أو مجنونا، أو كان الجاني امرأة حاملا، ويسقط القصاص إذا لم يتفق عليه المستحقون له.

وثمة شروط عامة لا تختص بالقصاص، بل تشمل الحدود كلها، وهي أن القصاص والحدود لا تقام إلا بحضور السلطان أو نائبه، وأنها لا تقام في أرض الحرب.

قال في المصدر السابق (4/ 183): " ولا يستوفى القصاص ، ولو في النفس ، إلا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبا" انتهى.

وقال في (4/ 245): " ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه" انتهى.

وقال في (4/ 250): " ومن أتى حدا في الغزو ، أو ما يوجب قصاصا : لم يُستوف منه في أرض العدو ، حتى يرجع إلى دار الإسلام ، فيقام عليه.

وإن أتى بشيء من ذلك في الثغور : أقيم عليه فيها.

وإن أتى حدا في دار الإسلام ، ثم دخل دار الحرب ، أو أُسر : أقيم عليه إذا خرج" انتهى.

قال في كشاف القناع (6/ 88) في شرح هذا الموضع:

" (ومن أتى حدا في الغزو أو) أتى (ما يوجب قصاصا) في الغزو (لم يُستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الإسلام) ، لخبر بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ : أنه أُتي برجل في الغزاة سَرَقَ بُخْتِيَّةً،  فقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في الغزاة لقطعتك رواه أبو داود وغيره. قال في المبدع: وهو إجماع الصحابة.

إذا رجع إلى دار الإسلام (يقام عليه) ، لعموم الآيات والأخبار ؛ وإنما أُخر لعارض، وقد زال.

(وإن أتى بشيء من ذلك) أي حد ، أو قصاص ، (في الثغور : أقيم عليه فيها) . قال في المبدع: بغير خلاف؛ لأنها من بلاد الإسلام، والحاجة داعية إلى زجر أهلها ، كالحاجة إلى زجر غيرهم .

(وإن أتى حدا في دار الإسلام ثم دخل دار الحرب أو أُسر أقيم عليه إذا خرج) من دار الحرب لما سبق" انتهى.

وهذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، فالمالكية والشافعية على أن الحدود والقصاص تقام في دار الحرب أيضا.

وفي الموسوعة الفقهية (20/ 209): " اختلف الفقهاء في إقامة الحد على من زنى من المسلمين أو سرق، أو قذف مسلما، أو شرب خمرا في دار الحرب.

فقال المالكية والشافعية: يجب على الإمام إقامة الحد عليه، لأن إقامة الحدود فرض؛ كالصلاة، والصوم، والزكاة، ولا تسقط دار الحرب عنه شيئا من ذلك.

إذا قتل مسلم مسلما في دار الحرب يستوفي منه القصاص، ويكون الحكم كما لو كانوا في دار الإسلام.

وذهب الحنفية إلى أنه لا يقام عليه الحد، ولو بعد رجوعه إلى دار الإسلام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقام الحدود في دار الحرب). وقوله: (من زنى أو سرق في دار الحرب وأصاب بها حدا ثم هرب فخرج إلينا فإنه لا يقام عليه الحد والله أعلم به) .

ولأن الإمام لا يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب ، لعدم الولاية .

ولا يقام عليه بعد الرجوع إلى دار الإسلام، لأن الفعل لم يقع موجبا أصلا .

وكذلك إذا قتل مسلما فيها : لا يؤخذ بالقصاص ، وإن كان القتل عمدا ؛ لتعذر الاستيفاء .

ولأن كونه في دار الحرب أورث شبهة في الوجوب، والقصاص لا يجب مع الشبهة .

ويُضّمَّنُ الديةَ ، وتكون في ماله ، لا على العاقلة، لأن الدية تجب على القاتل ابتداء، ثم العاقلة تتحمل عنه لما بينهم من التناصر، ولا تناصر عند اختلاف الدار .

وقال الحنابلة أيضا: تجب الحدود والقصاص، ولكنها لا تقام في دار الحرب، وتقام عليه بعد رجوعه من دار الحرب.

واستدلوا بما رواه سعيد في سننه، أن عمر رضي الله عنه كتب إلى الناس: لا يجلدن أمير جيش ولا سرية رجلا من المسلمين حدا وهو غاز ، حتى يقطع الدرب قافلا ؛ لئلا يلحقه حمية الشيطان، فيلحق بالكفار" انتهى.

وحديث: (لا تقام الحدود في دار الحرب) غريب أي لا أصل له، كما قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 343).

وقال ابن حجر في الدراية (3/ 104): "لم أجده".

وحديث (من زنى أو سرق في دار الحرب...): لم نقف عليه.

وأثر عمر رضي الله عنه: رواه سعيد بن منصور في سننه (3/ 235).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب