الحمد لله.
روى الإمام أحمد في "مسنده" (27499) من طريق الزُّهْرِيِّ ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَذَاكَرُ مَا يَكُونُ ، إِذْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِذَا سَمِعْتُمْ بِجَبَلٍ زَالَ عَنْ مَكَانِهِ، فَصَدِّقُوا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَجُلٍ تَغَيَّرَ عَنْ خُلُقِهِ، فَلَا تُصَدِّقُوا بِهِ ، وَإِنَّهُ يَصِيرُ إِلَى مَا جُبِلَ عَلَيْهِ .
وهذا إسناد منقطع ، فالزهري لم يدرك أبا الدرداء رضي الله عنه ، قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7/ 196) :
" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا الدَّرْدَاءِ ".
وكذا أعله السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص: 217)، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/ 207) وابن الوزير في "العواصم والقواصم" (6/255) بالانقطاع بين الزهري وأبي الدرداء.
وقال محققو المسند: " إسناده ضعيف لانقطاعه، الزهري لم يدرك أبا الدرداء ".
وضعفه الألباني في "الضعيفة" (135)، وقال : "إسناد منقطع" ، ثم قال :
" وهذا الحديث يستشم منه رائحة الجبر، وأن المسلم لا يملك تحسين خلقه، لأنه لا يملك تغييره ، وحينئذ فما معنى الأحاديث الثابتة في الحض على تحسين الخلق، كقوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) رواه أبو داود (2 / 288) وغيره في حديث، وسنده صحيح، فهذا يدل على أن حديث الباب منكر، والله أعلم " انتهى .
وللحديث شاهد ، بنحوه ، رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (192) وابن عدي في "الكامل" (1/ 484) من طريق بَقْيَة، عنِ ابْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمد بْنِ عَمْرو، عَن أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَال: ( إِنَّ مُغَيِّرَ الخُلُقِ كَمُغَيِّرِ الخَلْقِ، إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّرَ خُلُقَهُ حَتَّى يُغَيِّرَ خَلْقَه )
وهذا إسناد ضعيف لا يحتج به ، قال الألباني في "الضعيف" (2580) :
" هذا إسناد ضعيف؛ إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها، وأشار ابن عدي إلى أنه تفرد به.
وبقية - وهو ابن الوليد - مدلس وقد عنعنه " انتهى .
ومما يدل على ضعف هذا الحديث أيضا : ما رواه أحمد (3823) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ( اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَأَحْسِنْ خُلُقِي ) وحسنه محققو المسند.
فلو كان تغيّر الخلق غير ممكن ، ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يحسّن خلقه .
وروى أحمد أيضا (17828) عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَشَجُّ بني عَصَرٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ ، قُلْتُ: مَا هُمَا؟ قَالَ: الْحِلْمُ، وَالْحَيَاءُ قُلْتُ: أَقَدِيمًا كَانَ فِيَّ أَمْ حَدِيثًا؟ قَالَ: بَلْ قَدِيمًا قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا ".
وصححه محققو المسند.
وروى البخاري (1469) ، ومسلم (1053) ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ .
قال المظهري رحمه الله ، في "شرح المصابيح" (2/517) : " "ومن يتصبَّر"؛ أي: ومَن أمرَ نفسه بالصبر ، ووضعَ الصبرَ على نفسه بالتكلُّف : يُسهِّلِ الله عليه الصبرَ." انتهى .
وراجع جواب السؤال رقم : (101023) لمعرفة كيفية اكتساب الأخلاق الفاضلة .
والله تعالى أعلم.
تعليق