الحمد لله.
أولا:
لا يجوز لضرتك ولا لحماتك السعي في طلاقك، وهذا منكر عظيم، وفعل من أفعال الشياطين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا في إِنَائِهَا ) رواه البخاري (2140) ، ومسلم (1413).
وفي رواية: ( لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) رواه البخاري (5152)، ومسلم (1408).
وروى مسلم (2813) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ ) قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: (فَيَلْتَزِمُهُ).
ولا يلزم الابن طاعة والديه في تطليق زوجته.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن : رجل متزوج وله أولاد ، ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها ؟
فأجاب :"لا يحل له أن يطلقها لقول أمه ، بل عليه أن يبر أمه ، وليس تطليق امرأته من برها. والله أعلم" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/331).
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/320) : "ولا تجب على ابن طاعة أبويه ، ولو كانا عدلين ، في طلاق زوجته ; لأنه ليس من البر" انتهى .
ثانيا:
إذا غلب على ظن زوجك أن أمه ستمنعه من ماله الموروث إن لم يطلقك، وكان لهذا المال قدر وقيمة، فإن هذا يعتبر إكراها.
وفي الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يقع طلاق المكره .
والإكراه يحصل إما بالتهديد، أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره، في نفسه، أو ماله ، بلا تهديد. وقال في موضع آخر : كونه يغلب على ظنه تحقق تهديده ليس بجيد ، بل الصواب أنه لو استوى الطرفان : لكان إكراها " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/568).
وقال ابن قدامة رحمه الله: " ومن شرط الإكراه ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون من قادر بسلطان ، أو تغلب، كاللص ونحوه.
وحكي عن الشعبي: إن أكرهه اللص، لم يقع طلاقه، وإن أكرهه السلطان وقع. قال ابن عيينة: لأن اللص يقتله.
وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع، والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا لصوصا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار: إن عادوا فعد .
ولأنه إكراه، فمنع وقوع الطلاق، كإكراه اللصوص.
الثاني، أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به، إن لم يجبه إلى ما طلبه.
الثالث، أن يكون مما يستضر به ضررا كثيرا، كالقتل، والضرب الشديد، والقيد، والحبس الطويل، فأما الشتم، والسب، فليس بإكراه، رواية واحدة، وكذلك أخذ المال اليسير.
فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به، فليس بإكراه، وإن كان في بعض ذوي المروءات، على وجه يكون إخراقا بصاحبه، وغضا له، وشهرة في حقه، فهو كالضرب الكثير في حق غيره" انتهى من "المغني" (7/ 384).
وقال في "الإقناع" (4/ 4): " ومن أكره على الطلاق ظلما بما يؤلم كالضرب والخنق ...
فطلق : لم يقع...
وإن هدده قادر بما يضره ضررا كثيرا ، كقتل وقطع طرف وضرب شديد وحبس وقيد طويلين وأخذ مال كثير وإخراج من ديار ونحوه ...
يغلب على ظنه وقوع ما هدده به ، وعجزه عن دفعه والهرب منه والاختفاء = فهو إكراه" انتهى.
وعلم من ذلك أنه إذا لم يغلب على ظنه أن أمه تنفذ تهديدها، أو كان المال يسيرا، فليس بإكراه.
وعلى قول شيخ الإسلام : هو إكراه ، ولو كان الاحتمالان متساويين .
ثالثا:
طلاق المكره لا يقع؛ لما رواه ابن ماجه (2043) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" .
قال ابن القيم رحمه الله: " أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره ، وإقراره ، فصح عن عمر أن رجلاً تدلى بحبل ليشتار عسلاً [ أي ليأخذ عسلا من الجبل] فأتت امرأته ، فقالت : لأقطعن الحبل ، أو لَتُطَلِّقِنِّي !!
فناشدها الله ، فأبت فطلقها ، فأتى عمر فذكر له ذلك ، فقال له : ارجع إلى امرأتك ؛ فإن هذا ليس بطلاق .
وحكي عدم الوقوع عن علي وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم " انتهى من "زاد المعاد" (5/208).
وإذا لم يقع الطلاق، فلا يحتاج الزوج للرجعة.
ولكن إذا كان الطلاق مكتوبا في ورقة رسمية، فعليه أن يراجع الزوجة رسميا، أو يعقد عليها عقدا رسميا، لإثبات الزوجية، وحفظ الحقوق، للطرفين، ولمن يولد لهما مستقبلا.
والله أعلم.
تعليق