الحمد لله.
اولا :
اختلف العلماء رحمهم في إزالة النجاسة إذا وجدت في الثوب ، أو النعل :
فجمهور العلماء على أن النجاسة لا تطهر الا بالماء .
وذهب الأحناف ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية : إلى أن النجاسة إذا زالت ، زال حكمها ، ولو كانت بغير الماء .
وهذا القول هو الراجح لقوة دليله .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (21/ 475) :
" فَالرَّاجِحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ النَّجَاسَةَ مَتَى زَالَتْ ، بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ : زَالَ حُكْمُهَا ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِعِلَّةِ ، زَالَ بِزَوَالِهَا .
لَكِنْ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، لِغَيْرِ حَاجَةٍ ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الْأَمْوَالِ ، كَمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا " انتهى ، وينظر أيضا : (21/18) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في "الشرح الممتع" (1/ 30 ) : " والصَّواب: أنَّه إِذا زالت النَّجاسة بأي مزيل كان : طَهُر محلُّها؛ لأنَّ النَّجاسة عينٌ خبيثة، فإذا زالت زال حكمها، فليست وصفاً كالحدث لا يُزال إِلا بما جاء به الشَّرع " انتهى .
وللفائدة : ينظر جواب السؤال رقم: (145695)
ثانيا :
وأما ما ذكره السائل من اشتراط المشي على التراب في طهارة أسفل النعل : فغير صحيح , وذلك لأن التراب غير متعين هنا .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله ، في "فتح الباري" (3/43) :
" وقد اختلف العلماء: في نجاسة أسفل النعل ونحوه: هل تطهر بدلكها بالأرض، أم لا تطهر بدون غسل، أم يفرق بين أن يكون بول ادمي أو عذرته فلا بد من غسلها ، وبين غيرها من النجاسات فتطهر بالدلك؟
على ثلاثة أقوال. وقد حكى عن أحمد ثلاثة روايات كذلك.
والقول بطهارتها بالدلك : [ قول ] كثير من أصحابنا، وهو قول قديم للشافعي، وقول ابن أبي شيبة ويحيى بن يحيى النيسابوري.
وقال ابن حامد من أصحابنا: تطهر بذلك.
والقول بالفرق بين البول والعذرة قول أبي خيثمة وسليمان بن داود الهاشمي.
وفي هذا الباب أحاديث متعددة. وأجودها ... " ـ ثم ذكر حديث أبي سعيد الآتي . انتهى.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا، قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا ، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَيْهِ ، فَلْيَنْظُرْ : فِيهِمَا خَبَثٌ ؟ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِمَا خَبَثًا ، فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا رواه الإمام أحمد (11153)، والحاكم (955) ، وغيرهما .
وقال الألباني رحمه الله :
" قلت: وسنده صحيح على شرط مسلم، وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه النووي أيضا، وقد تكلمت على سند الحديث في " صحيح سنن أبي داود " رقم (658) ، وله فيه شاهد مرسل صحيح " "انتهى من التعليقات الرضية على الروضة الندية" (1/104) .
قال ابن الملك رحمه الله تعالى في "شرح مصابيح السنة" (1/457) :
" فيه دليل على أن النعل إذا أصابته نجاسة ، فمسحت بالأرض حتى ذهب أثرها، جازت الصلاة فيه " انتهى .
وقال الشيخ محمود خطاب السبكي رحمه الله :
" (وظاهر) الحديث يدلّ على أن النعل إذا أصابتها نجاسة ، ولو رطبة : تطهر بدلكها بالأرض، ومثلها الخفّ . وإلى ذلك ذهب الأوزاعي وأبو يوسف والظاهرية ، وأبو ثور وإسحاق ، وأحمد في رواية ، وهو قول الشافعي في القديم .
(قال) البغوي : في شرح السنة ذهب أكثر أهل العلم إلى ظاهر الحديث وقالوا إذا أصاب أكثر الخفّ أو النعل نجاسة فدلكها بالأرض حتى ذهب أثرها فهو طاهر وجازت الصلاة فيه وبه قال الشافعى في القديم اهـ .
(وقال) الدهلوي : النعل والخفّ يطهران من النجاسة التي لها جرم بالدلك ، لأنه جسم صلب لا يتخلل فيه النجاسة . والظاهر أنه عام في الرطبة واليابسة اهـ .
ويدلّ لهم على التعميم أيضا : ما رواه أحمد عن أبى سعيد ... " فذكر الحديث .
"المنهل العذب المورود" (3/266) .
وذكر التراب في بعض الروايات : ( فإن التراب لهما طهور ) : لا يدل على تعينه ، بل لأنه الغالب على سطح الأرض أن يكون كذلك ، لا سيما في مثل بلاد العرب ونحوها . ولا فرق بين التراب وغيره من الرمل وأجزاء الأرض : في تطهيره لأسفل النعل والثوب ونحوهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وبيان ذلك: أنه قد سمى التراب طهورا في نجاسة الحدث والخبث، فقال: ( جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا ) ، وقال في النعلين: ( فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور ) .
ومع هذا فإن التراب وغيره من أجزاء الأرض في النجاسة سواء لا فرق بين التراب وغيره، إذا ظهرت فيه النجاسة كان نجسا، وإذا زالت بالشمس ونحوها؛ فإما أن يقال: تزول مطلقا، أو لا تزول مطلقا، لم يفرق بين التراب والرمل وغيرهما من أجزاء الأرض كما فرق بينهما من فرق في طهارة الحدث؛ احتج من يقول بزوالها بحديث البخاري: وكانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا يرشون من ذلك شيئا ، والمسجد كان فيه التراب وغيره." .
"المستدرك على مجموع الفتاوى" (2/212) . وينظر أيضا : "مجموع الفتاوى" (21/511) .
ثالثا: من صلى وفي نعليه ، أو ثوبه ، نجاسة ، وهو جاهل بها : صحت صلاته ، ولم يلزمه إعادتها ، لا في الوقت ، ولا بعده، في أصح أقوال العلماء .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
"أَصَحُّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا : فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِلْأَذَى الَّذِي كَانَفِيهِمَا وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ الصَّلَاةَ. وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَمَّا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَمَرَهُمْ بِغَسْلِهِ وَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَقْصُودُهُ اجْتِنَابَ الْمَحْظُورِ إذَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ" .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/477-478).
وأما الطواف : فالأمر فيه أسهل من الصلاة ؛ فإنه إذا صحت الصلاة في هذه النعال ، مع الإجماع على اشتراط الطهارة للصلاة ، واكتفينا في طهارتها من الخبث : بدلكها في الأرض ، ونحو ذلك : صح الطواف من باب أولى ، فإن نفس اشتراط الطهارة للطواف مما اختلف فيه أهل العلم ؛ فإذا قلنا بقول من لا يشترط الطهارة للطواف ، فلا إشكال من الأصل .
وإذا قلنا باشتراط الطهارة ، فليس ذلك بأعظم من اشتراطها للصلاة ، فيصح الطواف في مثل هذه النعال ، من باب أولى .
وينظر أقوال العلماء في جواب السؤال رقم : (136742).
وعليه فصلاتك وطوافك صحيحان ، ولا يلزمك شئ .
والله أعلم .
تعليق