الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

والده تبرأ منه ومن إخوته من أربعين سنة فهل يلزمه بره وصلته؟

286913

تاريخ النشر : 02-09-2024

المشاهدات : 855

السؤال

أنا رجل، أبلغ من العمر أربعة وأربعين سنة، تربيت عند جدي رحمه الله تعالى، وقد تخلى عني أبي منذ أربعين سنة أنا ومعي أمي وأختي التي تصغرني بأربعة سنين، ولم يعترف بنا نهائيا إلى الآن، علما أن زواجه مع أمي كان زواجا عرفيا، ورغم أني أحاول في كل مرة أن أزوه في بيته، وأحاول أن أتودد إليه، لكنه يطردني، علما أنه متزوج زواجا صحيحا شرعا وقانونيا، وله أولاد، لكنه لا يعاملني كابن. سؤالي:
ما هو واجبي الديني نحوه؟ وكيف أتعامل معه شرعا، علما إني في الوثائق الإدارية احمل اسم جدي المتوفي، الذي هو والده هو؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

تبرؤ الأب من أولاده، إن كان المراد منه نفي نسبهم، فهذا محرم تحريما شديدا، والزواج العرفي المستوفي للشروط – ومن أهمها الولي الشرعي، والشهود العدول -: زواج صحيح تترتب عليه آثاره.

بل لو كان زواجا عرفيا بلا ولي، كما هو الشائع في كثير من البلدان: فحكمه حكم كل نكاح اعتقد الزوجان أنه صحيح: فالولد فيه منسوب للزوج، حتى ولو كان النكاح باطلا في نفس الأمر. ولا يملك الأب نفي نسب ولده إلا باللعان.

وقد روى أحمد (4795) عن ابْن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  من انْتَفَى من وَلَده ليفضحه فِي الدُّنْيَا، فضحه الله يوم القيامة عَلَى رُؤُوس الأشهاد؛ قصاص بقصاص  .

والحديث جوَّد العراقي إسناده في “تخريج الإحياء” (1524)، وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند، وحسنه شعيب الأرنؤوط.

وإن كان المراد قطيعتهم، فقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى:  فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ   محمد/22،23.

هذا إضافة إلى تركه التربية والرعاية والنفقة، وهذا غش للرعية، وكل راع مسئول عن رعيته؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ   رواه البخاري (7150)، ومسلم (142).

 وقال:  إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ  رواه ابن حبان، وصححه الألباني في “غاية المرام” برقم 271.

ثانيا:

إذا كان هذا حال أبيك، فقد أساء لنفسه قبل أن يسيء إليكم، وهو على خطر، ما لم يتداركه الله برحمته.

ومع هذا؛ فينبغي أن تجتهدوا في بره، وصلته، قدر استطاعتكم.

وإذا كان يطردكم من منزله، إذا ذهبتم إليه؛ فلا يلزمكم أن تزوروه في منزله، ويكفي أن تتصلوا به، لتسلموا عليه، وتصلوه، وتتفقدوا أحواله.

وخير ما تصلونه به: الدعوة الصالحة بظهر الغيب، أن يتوب الله عليه، ويصلح حاله.

قال تعالى:  وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً الإسراء/ 23 .

وقال تعالى:  وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  لقمان/ 15. .

وإذا جاهدت نفسك، وزرته في منزله: فذلك خير. ولا يضرك لو طردك؛ فإنك بذلك مثاب معان إن شاء الله، كما روى مسلم (2558) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ:  لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ  .

ومعنى (تسفهم المل): أي تطعمهم الرماد الحار. وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم. وقيل المعنى: أن ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم.

فنسأل الله أن يهدي والدك، ويصلح حاله، ويؤلف بينكم على طاعته.

وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (122178).

ثالثا:

لا حرج في انتسابك إلى جدك، فإن أبا الأب يعتبر أبا.

قال السرخسي رحمه الله في “المبسوط” (27/ 158): النَّسَبَ إلَى الْجَدِّ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ إلَى الْأَبِ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ لِيُعْرَفَ دُونَ الْأَبِ .

أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُنْسَبُ إلَى جَدِّهِ ، وَكَذَلِكَ أَبُو نَصْرِ بْنُ سَلَامَةَ يُنْسَبُ إلَى جَدِّهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ جَدُّهُ لَا أَبُوهُ ، وَإِذَا كَانَ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ صَارَ الْحُكْمُ أَنَّ الصُّلْبَ وَالْجَدَّ سَوَاءٌ ” انتهى .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب